للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان كعب بن مالك بعد ذلك يخرج إلى الصلوات، ويطوف بالأسواق، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام قد نهى المسلمين عن كلام هؤلاء الثلاثة، ولكن كعب بن مالك كان يصلي في المسجد مع الرسول، ويسارقه النظر والرسول يعرض عنه، وطالت مقاطعة المسلمين لهم.

ولما علم ملك غسان بذلك أرسل إلى كعب يطلب منه النزوح إلى الشام ليعيش في كنفه حيث يلتقي بملك غسان نسبا في عامر بن ماء السماء، ولكن كعبا أحرق الرسالة.

وبعد انقضاء أربعين يوما على تلك المقاطعة جاءه رسول رسول الله يبلغه أن الرسول يأمره باعتزال زوجته، فاعتزلها، وبعد انقضاء خمسين يوما من بدء المقاطعة ضاقت فيها نفسه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وكان قد ابتنى خيمة له في ظهر سلع.

سمع صوتا يناديه: يا كعب بن مالك أبشر، فخر ساجدا لله، ثم نزل إلى المسجد فتلقاه الناس في طريقه بالفرح والتهنئة حتى سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فقال له الرسول: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك.

قال كعب: قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟

قال الرسول: بل من عند الله.

قال كعب: يا رسول الله إن توبتي إلى الله أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله.

قال الرسول: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، ثم تلا الرسول:

{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (١) {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (٢) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (٣)

وبهذا تاب الله على كعب بن مالك وصاحبيه بعد عذاب نفسي قضوا فيه خمسين يوما بل عانوا منه منذ خروج الرسول إلى تبوك وتخلفهم عنه حتى ضاقت عليهم الأرض وضاقت عليهم أنفسهم، وكانت توبة الله عليهم فأخرجتهم من الضيق إلى فرج الحياة يعيشون فيه مع الصادقين المتقين.


(١) سورة التوبة الآية ١١٧
(٢) سورة التوبة الآية ١١٨
(٣) سورة التوبة الآية ١١٩