[بيان صوره مفصلة واختلاف العلماء فيها مع المناقشة]
الصورة الأولى: التدمية
قال الأبي " ع": وصور الشبهة سبعة
الأولى: قول الميت: دمي عند فلان، أو هو قتلني، أو جرحني، أو ضربني، وإن لم يظهر أثر ولا جرح، أثبت مالك القسامة بذلك وقال: وعليه إجماع الأئمة في القديم والحديث، وشرط بعض أصحابنا ظهور الأثر والجرح، وإلا لم تكن قسامة، وخالف مالكا في ذلك سائر فقهاء الأمصار، ولم يوافقه عليه إلا الليث، وروي عن عبد الملك بن مروان.
واحتج أصحابنا لذلك بأن القتل حال تطلب فيه الغيلة والاستتار، والمرء عند آخر عهده بالدنيا يتحرى الصدق ويرد المظالم، ويتزود من البر.
واحتج مالك بقضية البقرة في قوله:{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا}(١) الآية فأحيي الرجل وأخبر بمن قتله، إلى أن قال:
قلت: ألغى القسامة بذلك ابن عبد الحكم، ومن الأندلسيين عبد الرحمن بن بقي، وعبيد الله بن يحيى، وقيل إن ادعاه على من لا يليق به لفضله وصلاحه ألغيت تدميته، وإلا أعملت، فالأقوال في المذهب ثلاثة، ثالثها: الفرق المذكور.
ابن عبد السلام: وإنما خالف مالكا والليث سائر الفقهاء؛ لأن فيه قبول الدعوة دون بينة، وقد علم أن الأموال أضعف حرمة من الدماء، ومع ذلك لم تقبل فيها الدعوى، فكيف تقبل دعوى القتل بهذه الحجة الضعيفة؟
فإن قلت: قيل كما يحتاط للدماء أن تراق فكذلك يحتاط لها أن تضيع.
قلت: شتان ما بين الاحتياطين، الثاني دم فات، وهذا دم يراق، إلا أنه كما قال بعض المفتين: لأن يقال ألم تقتله؟ أحب إلي من أن يقال: لما قتلته؟
فإن قلت: أفتى مالك بحضرة أصحابه بقتل رجل فلما ذهب به ليقتل جعل مالك يتطاول بعنقه وقد اصفر لونه، ثم قال لأصحابه: لا تظنوا أني ندمت في فتياي، ولكني خفت أن يذهب من أيديهم فتضيع حدود الله.