للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: هذا مسلم؛ لأنه في قصاص ثبت، والقائل بإعمال التدمية - وإن لم يظهر أثر - أصبغ، وهو ظاهر إطلاق الروايات، والقائل بإلغائها حتى يظهر الأثر ابن كنانة، واختاره اللخمي وابن رشد، وبه العمل.

قال اللخمي: إلا أن يعلم أنه قد كان بينهما قتال، ويلزم الفراش عقب ذلك، أو كان يتصرف تصرف مشتك عليه دليل المرض، وتمادى به ذلك حتى هلك.

وباختيار اللخمي هذا أفتيت في نازلة (وقعت من سنة خمس عشرة وثمانمائة أرسل بها إلى الخليفة المعظم أبو فارس عبد العزيز ابن الخليفة المرحوم أبي العباس أحمد الحفصي فأمر أن نفتي فيها بما ظهر لي صوابه).

والنازلة: هي أنه وقعت هوشة بين جماعتي مارغنة (بالراء والغين المعجمة) ومزاتة (بالزاي والتاء المثناة من فوق) وانكشف الجميع عن جرحى من الفريقين، فبعد أيام جاء رجل من مزاتة إلى العدول بسوسة وادعى على جماعة مارغنة وليس به جرح ولا أثر ضرب، حسبما ضمن ذلك شهود الرسم، ثم مات من الغد ونص فتياي: (الحمد لله، إذا لزم المدمى الفراش عقب الهوشة، أو كان يتصرف مشتك عليه دليل المرض ودام به ذلك حتى مات، وكان أعيان المارغنيين المدعى عليهم معروفة، ولم تكن فئة المدمي هي المبتدئة والأخرى دافعة، فالتدمية صحيحة، وإن لم يكن بالمدمي جرح ولا أثر ضرب، ويستحقون قتل واحد أو يقبلون الدية، إلا أن يكون الميت أوصى أن يقبل فيه الدية، فليس إلا الدية، هذا اختيار اللخمي في المسألة، وليس ببعيد من الصواب. والله أعلم.

وليس من التدمية البيضاء؛ لأن البيضاء هي التي ليس فيها سبب حتى يستند إليه قول المدمى، وليس فيها إلا قول المدمى: دمي عند فلان، كقضية اللؤلؤي، فإذا لم تكن من التدمية البيضاء فلترجع لتدمية قتل الصفين.

ولا يعترض على هذا بأنه قال في المدونة: ولا قسامة في قتيل الصفين؛ لأن معناها عند الأكثر إذا كان ذلك بدعوى الأولياء، وأما بقول القتيل فإنه يقسم معه، وسئل عنها المعين للفتيا في التاريخ؟ فأجاب بأنها من التدمية البيضاء التي جرى العمل على إلغائها، وإليك الترجيح بين الجوابين. والله أعلم بالصواب.

واختلف إذا قال الميت: دمي عند فلان خطأ، فلمالك في المدونة: يقسم على قوله، وفي الموازية لا يقسم لتهمة أنه أراد غنى ورثته، وفي المدونة: وإن ادعى الورثة خلاف دعوى الميت من عمد أو خطأ فليس لهم أن يقسموا إلا على قوله، ولم أسمعه من مالك، وفي الموازية: وإن ادعوا خلاف قول الميت فلا قسامة لهم، وليس لهم أن يرجعوا إلى قول الميت، وفي المدونة أيضا إذا قال: دمي عند فلان ولم يذكر عمدا أو خطأ، فما ادعاه ولاة الدم من عمد أو خطأ أقسموا عليه واستحقوا عليه، واستحقوه.

ابن الحارث وفي المجالس عن ابن القاسم: أحسن من هذا أن قوله باطل، وفي المدونة أيضا: قال بعضهم عمدا وقال بعضهم خطأ، فإن حلفوا كلهم استحقوا دية الخطأ بينهم، وبطل الدم، فإن نكل مدعي الخطأ فليس لمدعي العمد أن يقسموا، ولا دم ولا دية.

واختلف في تدمية الزوجة، فظاهر المذهب أنها كالأجنبية، وذكر ابن عات عن ابن حزين أنه قال: لا قود على الزوج إلا أن يتعمد، واحتج بأن الله أذن له في ضرب الأدب في قوله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} (١) قال: فالذي


(١) سورة النساء الآية ٣٤