للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يريد أن يدمي فيه أصله الجواز، ولا تقام الحدود إلا بأمرين، لحديث: «ادرءوا الحدود بالشبهات (١)» وكذلك معلمو الصبيان يضرب أحدهم فيما يجوز له، فيتعدى طرف الشراك أو عود الدرة فيفقأ العين، وإنما عليه العقل، إلا أن يتعمد، وكذلك على الزوج، قال: وهذا الذي تعلمناه من شيوخنا (٢) وقال الباجي: فأما قول القتيل: دمي عند فلان، فهو عند مالك في الجملة لوث يوجب القسامة، خلافا لأبي حنيفة والشافعي.

وقد استدل أصحابنا في ذكره بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (٣) الآية.

ففي المجموعة والموازية قال مالك: وما ذكره الله سبحانه وتعالى من شأن البقرة التي ضرب القتيل بلحمها فحيي فأخبر عمن قتله دليل على أنه سمع من قول الميت.

فإن قيل: إن ذلك آية، قيل: إنما الآية في إحيائه، فإذا صار حيا لم يكن كلامه آية، وقد قبل قوله فيه، وهذا مبني على أن شريعة من قبلنا شرع لنا، إلا ما ثبت نسخه (٤).

وقال ابن العربي: فإن قيل: فإن ما قتله موسى -صلى الله عليه وسلم- بالآية قلنا: ليس في القرآن أنه إذا أخبر وجب صدقه، فلعله أمرهم بالقسامة معه، أو صدقه جبريل فقتله موسى بعلمه، كما قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- الحارث بن سويد بن زياد بإخبار جبريل -عليه السلام- له بذلك (٥) انتهى المقصود.

وقال الباجي أيضا: واستدل أصحابنا على ذلك بما روى هشام بن زيد عن أنس أن «يهوديا قتل جارية على أوضاح لها، فقتلها بحجر، فجيء بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وبها رمق، فقال: " أقتلك فلان "؟ فأشارت برأسها أن لا، ثم قال الثانية، فأشارت برأسها أن نعم، (٦)» وهذا الحديث رواه قتادة عن أنس، فزاد فيه: «فأتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يزل به حتى أقر، فرض رأسه بالحجارة (٧)». أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم وغيرهما على اختلاف في الروايات مع الاتفاق على أصل القصة.

وجه الدلالة: قال المازري استدل به -أي بحديث الجارية المذكور- بعضهم - أي بعض المالكية - على التدمية؛ لأنها لو لم تعتبر لم يكن لسؤال الجارية فائدة، قال: ولا يصح اعتباره مجردا؛ لأنه خلاف الإجماع، فلم يبق إلا أنه يفيد القسامة.

وقال النووي: ذهب مالك إلى ثبوت قتل المتهم بمجرد قول المجروح، واستدل بهذا الحديث، ولا دلالة فيه، بل هو قول باطل؛ لأن اليهودي اعترف، كما وقع التصريح به في بعض طرقه.


(١) سنن الترمذي الحدود (١٤٢٤).
(٢) إكمال إكمال المعلم شرح صحيح مسلم ج٤ ص٣٩٦ - ٣٩٩.
(٣) سورة البقرة الآية ٦٧
(٤) المنتقى على الموطأ ج٧ ص٥٦. .
(٥) أحكام القرآن الجزء الأول تفسير قوله تعالى (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة).
(٦) صحيح البخاري الديات (٦٨٧٩)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧٢)، سنن الترمذي كتاب الديات (١٣٩٤)، سنن النسائي القسامة (٤٧٤٠)، سنن أبو داود الديات (٤٥٢٨)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٦٦)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٧١)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٥).
(٧) المنتقى على الموطأ ج٧ ص٥٦. .