للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٤ - أما شروط الاجتهاد، فإنه لما كانت مرتبة الاجتهاد واستنباط الأحكام مرتبة خطيرة؛ لأن ذلك يتضمن الإخبار عن حكم الله والاجتهاد عرضة للخطأ وهذا يترتب عليه آثار سيئة على الأجيال اللاحقة بحيث تكون تلك الأخطاء الاجتهادية سببا في ضلال من يأخذ بها وابتعاده عن الكتاب والسنة؛ لذلك صار منصب الاجتهاد منصبا عاليا لا يناله إلا من توافرت فيه المؤهلات العلمية.

قال العلامة ابن القيم (١) رحمه الله: ولما كان التبليغ عن الله سبحانه وتعالى يعتمد على العلم بما يبلغ والصدق فيه لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق - فيكون عالما بما يبلغ صادقا فيه - ويكون مع ذلك حسن الطريقة مرضي السيرة، عدلا في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله. وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات، فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه. ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به - فإن الله ناصره وهاديه. وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب - فقال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} (٢). وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفا وجلالة؛ إذ يقول في كتابه {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} (٣) وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه


(١) إعلام الموقعين (١/ ١٠ - ١١)
(٢) سورة النساء الآية ١٢٧
(٣) سورة النساء الآية ١٧٦