للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخامس من مسالك الاستدلال (١):

أن الله سبحانه وتعالى قال بعد قوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (٢) وبعد ذكر الخلع {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٣)، ونكاح المحلل والمتعة ليس بنكاح عند الإطلاق، وليس المحلل والمتمتع بزوج، وذلك لأن النكاح في اللغة الجمع والضم على أتم الوجوه، فإن كان اجتماعا بالأبدان فهو الإيلاج الذي ليس بعده غاية في اجتماع البدنين، وإن كان اجتماعا بالعقود فهو الجمع بينهما على وجه الدوام واللزوم، ولهذا يقولون: استنكحه المذي، إذا لزمه وداومه، يدل على ذلك أن ابن عباس سئل عن المتعة - وكان يبيحها - أنكاح هي أم سفاح؟ فقال: ليست بنكاح ولا سفاح ولكنها متعة. فأخبر بأنها ليست بنكاح كما لم يكن مقصودها الدوام والملازمة، ولذا لم يثبت فيها أحكام النكاح المختصة بالعقد من الطلاق والعدة والميراث، وإنما ثبت فيها أحكام الوطء، ولذلك قال ابن مسعود وغيره من الصحابة والتابعين: نسخ المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث، فإذا كان المستمتع الذي له قصد في الاستمتاع بها إلى أجل ليس بناكح؛ لأنه لم يقصد دوام الاستمتاع ولزومه، فالمحلل الذي لم يقصد شيئا من ذلك أولى أن لا يكون ناكحا، ويكون قوله: نكحت أو تزوجت، وهو يقصد أن يطلقها بعد ساعة أو ساعتين، وليس له فيها غرض أن تدوم معه ولا تبقى، كذب منه وخداع، ويكون قول الولي له: زوجتك أو أنكحتك وقد شارطه أن يطلقها إذا وطئها كذب وخداع كذلك.

وهذا المعنى هو ما قصده ابن عمر - رضي الله عنه - حين سئل عن تحليل المرأة لزوجها، فقال: ذلك السفاح لو أدرككم عمر لنكل بكم. وقال: لا يزالان زانيين وإن مكثا عشرين سنة، إذا علم الله أنهما أرادا أن يحلها له. وهو معنى قول عمر - رضي الله عنه - لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما.


(١) الفتاوى الكبرى ص٢٠٥ وما بعدها ج٣.
(٢) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٣) سورة البقرة الآية ٢٣٠