للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويبين هذا أن المطلق في قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (١) إنما يعقل منه الرجل الذي يقصد مقامه ودوامه مع المرأة، بحيث ترضى مصاهرته وتعتبر كفاءته وتطيق المرأة ووليها أن يملكها، وهذا المحلل الذي جيء به للتحليل ليس بالزوج، وإنما هو تيس استعير للضرابة، والله عز وجل قد علم من المرأة ووليها أنهم لا يرضونه زوجا، فإذا أظهروا في العقد قولهم: زوجناك أو أنكحناك. وهم لا يرغبونه زوجا كان هذا خداعا، واستهزاء بآيات الله تعالى، ويقوي هذا أن الله تعالى حرم المطلقة حتى تنكح زوجا غيره، والنكاح المفهوم في عرف أهل الخطاب إنما هو نكاح الرغبة، ولا يفهمون عند الإطلاق إلا هذا، ولذا لو قال الرجل لابنه: اذهب فانكح. فصار محللا، لعده أهل العرف غير ممتثل لأمر أبيه.

وما دون النكاح المطلق لا يطلق على نكاح إلا مقيدا، فيقال: نكاح المتعة ونكاح المحلل، كما يقال: بيع الخمر وبيع الخنزير، والله سبحانه وتعالى قال: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٢) ولم يرد به كل ما يسمى نكاحا مع الإطلاق أو التقييد إجماعا؛ فإن ذلك يدخل فيه نكاح المحارم، فتعين أن يراد به ما يفهم من لفظ النكاح عند الإطلاق في عرف المسلمين، وهو نكاح الرغبة والدوام واللزوم. ويؤيد هذا أن التحريم قبل هذا النكاح ثابت بلا ريب، ونكاح الرغبة رافع لهذا التحريم اتفاقا، ونكاح المحلل لا نعلمه مرادا من هذا الخطاب ولا هو مفهوم منه عند الإطلاق، فيبقى التحريم ثابتا حتى يقوم الدليل على أنه نكاح مباح، ومعلوم أنه لا يمكن لأحد أن يذكر نصا يحل هذا النكاح، ولم يثبت دخوله في اسم النكاح المطلق، ولا يمكن حله بقياس؛ فإنه لا يلزم من حل نكاح الرغبة حل نكاح المحلل؛ لوجود الفارق؛ فإن الراغب مريد للنكاح، فناسب أن يباح له ذلك، وأما المحلل فليس له غرض في النكاح ولا إرادة، فلا يلزم أن يباح له ما لا رغبة له فيه؛ إذ الإرادة مظنة الحاجة.

كما يقوي هذا أيضا أن الله سبحانه أطلق النكاح التام الذي يحصل فيه مقصود النكاح، وهو الجماع المتضمن ذوق العسيلة، فعلم أنه لم يكتف بمجرد ما يسمى نكاحا مع التقييد، وإنما أراد ما هو النكاح المعروف الذي يفهم عند الإطلاق، وذلك إنما هو نكاح الرغبة المتضمن ذوق العسيلة، وإذا ثبت


(١) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٠