أما الحملة الخامسة: فهي تلك التي خرج فيها الإمام أحمد بجيوشه إلى الحبشة عازما ألا يعود إلى إقليم هرر إلا بعد أن يتم فتح الحبشة كلها، ولذلك فإنه وضع خطته على أن يقصد الملك وناج سجد حيث كان وكتب إليه يقول: وأنت لا تحسبنا مثل الأول نغزو ونرجع وأما الآن فما نحن راجعون حتى يفتح الله لنا البلاد - إن شاء الله تعالى - أو نموت، وحتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
وقد لازمه التوفيق والنصر في الوقائع التي تقابل فيها جيش المسلمين مع جيش الأحباش، والمتتبع لهذه الوقائع يحصي قرابة المائة وقعة لم ينهزم فيها جيش المسلمين، وإن كانت بعض فرقه قد تقهقرت ثم عادت لتنتصر بعد سماعهم لتحريض الوعاظ بأنهم يقاتلون في سبيل الله، وأن من قتل مات شهيدا ودخل الجنة مع النبيين والصديقين.
ويقدم لنا الكتاب صورة رائعة لمطاردة الإمام وجيش المسلمين لملك الحبشة الذي لم يقر له قرار في أي من أقاليم الحبشة والذي لم يذق طعم الأمن لما يزيد عن خمس عشرة سنة.
ويذكر أن جيوش الإسلام لم تدخل إقليما إلا ودخل أهله في دين الله أفواجا، حتى البطارقة فقد عمهم الرعب منهم من أسلم ومنهم من صالح على الجزية، وبعد موقعة " زري " وانتصار جيش المسلمين انتصارا ساحقا وقتل كثير من البطارقة حاول أحدهم أن يعقد صلحا بين الإمام وبين البطارقة، فوافق الإمام من حيث المبدأ فذهب إلى البطارقة وهم مجتمعون في أرض " جان زجره " وقال لبطريقهم الأكبر جرجيس: أنا جئتك بالنصيحة من عند المسلمين لأنهم كانوا في الأول يغزون بلادنا ويرجعون إلى بلادهم، وهذا الإمام غزا إلى بلدنا وأخربها وقتل رجالها ولم يرجع ونوى الجلوس في بلادنا، وقد رأيتم الذي فعله بكم في الحرب، فقد هزم الملك في وقعة " صمبر كوري " وهزم جيوش " أنطوكية " وجيش الملك في " زري " وقتل بطارقتهم عامتهم، والآن نحن ما معنا قوة نقاتلهم بها، وإذا جلس في بلادنا أخربها وأضعفها، والقائد الأكبر وسن سجد في أرض الداموت بعيدا عنا، فقال له: فمن لنا بمن يصلح بيننا حتى يرتفع عنا؟ قال: أنا أكلم الإمام بالصلح بيننا وبينه ونعطي الجزية ووافق البطارقة وقالوا السمع والطاعة، وأرسلوا للإمام بأن يجتاز