للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيا: الحكمة من مشروعية الشهادة:

من حكمة الله تعالى أن جعل حياة الإنسان حياة جماعية؛ لأنه لا يستطيع الوفاء بما يحتاجه بمفرده في هذه الحياة من ضروريات، فكان في الحياة الجماعية قيام كل فرد بجزء من متطلباتها، مما ينجم عنه الوفاء بحاجياتها عن طريق التعاون الجماعي. قال الله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} (١).

ومع أن الناس لا يستغني بعضهم عن بعض في هذه الحياة، فمنذ وجد الإنسان على ظهر البسيطة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإنه يحصل بينهم مشاحنات، ويحصل من بعضهم على بعض تطاولات واعتداءات على الأنفس، والأعراض، والثمرات، نتيجة لتجمعاتهم، ولما تحويه الأنفس من غرائز الطمع، والجنس، وغيرهما مما يجعل بعضهم يعتدي على البعض الآخر، ويحاول الاستيلاء على الممتلكات من غير حق.

وقد حصلت التعديات والاعتداءات في عهد صفوة الخلق محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وفي عهد صحابته الأطهار الخلفاء الراشدين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر (٢)».

وقد تجلت حكمة الله تعالى بأن شرع من الحدود ما يناسب الفطرة البشرية؛ حفاظا على أبدانها، وعقولها، وأعراضها، وأموالها، وكان من كراماته أن شرع طرقا لإثبات هذه الحدود والحقوق عند تنازع الناس فيها، ومن هذه الطرق الشهادة التي يستدل بها القاضي على الحق ويحكم بموجبها


(١) سورة الزخرف الآية ٣٢
(٢) أخرجه البيهقي بسند صحيح، انظر: البيهقي جـ ١٠ ص ٢٥٢، نصب الراية جـ ٤ ص ٩٥، بلوغ المرام ص ٣٤٦، سنن الدارقطني جـ ٤ ص ١٥٧.