بعد أخذ الحيطة للتأكد من عدالة الشهود وغيرها، وعدم وجود حجة قطعية أو ظنية تحول دون تغليب حجية الشهادة في القضية.
وهي وسيلة عظيمة وجليلة لدفع التظالم ولإثبات الحقوق وردها إلى أهلها إذا اعتدى عليها، وتمكين القضاء من توقيع العقوبة على من يستحقها، وبدونها فإنها تضيع. كما أنها ترجح قول المدعي على قول المدعى عليه.
ولو أن القاضي اقتصر على علمه بالحادثة المراد منه الحكم فيها بحيث يكون علما منطبقا على الواقع بأن يشاهد الحادثة بنفسه ويحيط بها إحاطة تامة، أو يصل إليه خبرها بطريق التواتر المفيد للعلم، فإن أكثر مصالح الناس سوف تتعطل؛ لأن علمه إذا حصل في حادثة واحدة أو اثنتين فإن الكثير من الحوادث يتعذر عليه الوقوف عليها والعلم بها، كما يتعذر عليه العلم بها عن طريق التواتر المفيد لليقين؛ لأنه ليس من اليسر والسهولة وصول أخبار الحوادث دائما بطريق التواتر، ولذلك اقتضت حاجات الناس فيما يتقاضون فيه قبول الحجة الظنية ليبنى عليها الحكم؛ لأنهم إما أن يهملوا النظر في الحوادث والقضايا التي لم يقم على ثبوتها دليل قطعي عند القاضي، ويترتب على هذا ضياع حقوق الناس وفوضى واضطراب في حياتهم ونظامها، وإما أن يقبلوا الدليل الذي يغلب على الظن صدقه كالشهادة، ويحفظوا حقوق الناس بها.
وبالنظر في هذين الأمرين يتعين قبول الدليل الظني دفعا لأشد الضررين، وعلى هذا فإن الحقوق تثبت بما يفيد العلم القطعي، وبما يفيد الظن الراجح. وإذن فإن الحاجة ماسة إلى الشهادة؛ إذ إنها سبب في إثبات