اتصف شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بقوة القلب، ورباطة الجأش في كل موقف يمر به مع قوة إيمان، وحجة دامغة، مما نتج عنه شجاعة متناهية في سبيل عقيدة الإسلام، ومحاربة أعداء دين الله، وأهل البدع؛ بالبدن واللسان، وقوة الحجة.
وقد تحدث تلميذه البزار المتوفى عام ٧٤٩هـ عن مظاهر عديدة من شجاعته في كتابه الذي خصه به، وسماه:(الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية)، ومما قاله:(كان رضي الله عنه، من أشجع الناس وأقواهم قلبا، ما رأيت أحدا أثبت جأشا منه، ولا أعظم عناء في جهاد العدو منه، كان يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده، ولا يخاف في الله لومة لائم.
وأخبر غير واحد: أن الشيخ - رحمه الله - كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقيتهم، وقطب ثباتهم، إن رأى من بعضهم هلعا أو رقة أو جبانة، شجعه وثبته وبشره، ووعده بالنصر والظفر والغنيمة، وبين له فضل الجهاد والمجاهدين، وإنزال الله عليهم السكينة، وكان إذا ركب الخيل يتحنك (١)، ويجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، ويكبر تكبيرا أنكى في العدو من كثير من الفتك بهم، ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت.
وأخبرني من لا أتهمه: أن الشيخ - رحمه الله - حين وشي به إلى السلطان المعظم الملك الناصر محمد، أحضره بين يديه، قال: فكان من جملة كلامه: إنني
(١) التحنك هو: وضع العمامة تحت الذقن ولف طرفيها على الرأس.