للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخبرت أنك قد أطاعك الناس، وأن في نفسك أخذ الملك، فلم يكترث به، بل قال له بنفس مطمئنة، وقلب ثابت، وصوت عال سمعه كثير ممن حضر: أنا أفعل ذلك؟ والله إن ملكك وملك المغول لا يساوي عندي فلسين، فتبسم السلطان لذلك، وأجابه في مقابلته بما أوقع الله له في قلبه من الهيبة العظيمة: إنك والله لصادق، وإن الذي وشى بك إلي كاذب. واستقر له في قلبه من المحبة الدينية ما لولاه لكان قد فتك به منذ دهر طويل؛ من كثرة ما يلقى إليه في حقه من الأقاويل الزور والبهتان، ممن ظاهر حاله للطغام: العدالة، وباطنه: مشحون بالفسق والجهالة) (١) ومن قوته في الحق، وصدعه بالدعوة هدى الله قادة المغول للإسلام؛ لأن صدقه مع الله منحه الشجاعة والجهر بالحق، وجعل الله له بذلك القبول في القلوب.

وفي الدفاع عن دمشق، وفتح عكا، ومعركة شقحب وغيرها من المعارك، كان المثل النادر بالشجاعة والقوة، وإذا تفقد من معه فوجدهم ملتزمين بشرع الله، وحريصين على دينهم، كان يقول لهم:

سننتصر على الأعداء، فيقول له بعضهم: قل: إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا؛ لأن الله أمرنا بطاعته والاستعداد، فطعناه فيما أمر، واستعدينا لملاقاة العدو.

وفي حواره مع السلطان غازان - أحد ملوك التتار - لما ظهر على دمشق، ما يدل على قوة بأسه، وعدم خوفه من سطوته، وكان مما قاله حسبما ذكر الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي المتوفى عام ١٠٣٣هـ في كتابة: (الكواكب الدرية في مناقب المجتهد ابن تيمية)، قال الشيخ ابن تيمية للترجمان: (قل للسلطان أنت تزعم أنك مسلم، ومعك قاض وإمام وشيخ ومؤذنون - على ما بلغنا - فغزوتنا، وأبوك وجدك هولاكو كانا كافرين، وما


(١) انظر (الأعلام العلية) الفصل الحادي عشر، ص ٦٣ - ٦٦، والفصل الثاني عشر ص ٦٧، ٦٨.