إن تراجم الفقهاء تكشف عن حياتهم الخاصة وحياتهم العلمية، فهي تسجل نسب الفقيه ومولده وموطنه، وما عرض له في حياته من ظروف أعانت على رسم شخصيته، والإفصاح عن نوازعه، وما لقيه في حياته من يسر أو عسر، ووفاته، كما تكشف عن أساتذته الذين أخذ عنهم علمه، ورحلاته العلمية، والرجال الذين لقيهم، والكتب التي قرأها على شيوخه، وحلقات العلم التي تصدرها، وما أتيح له من التدريس والفتوى والقضاء، والطلاب الذين أخذوا عنه، والمناقشات التي شارك فيها، والمؤلفات التي كتبها، ومنزلته بين الفقهاء على مر التاريخ.
وهذا كله يسهم في تكوين فكرة كاملة عن الفقيه، وتتيح لنا رؤية صحيحة لعلمه، وتقويما سليما لأفكاره، كما تكشف لنا عن المصدر الأصلي لكل قول في المسائل الفقهية التي ندرسها، وبذلك نستطيع أن نتتبع التسلسل الزمني للأقوال في المسألة الواحدة، فنعرف السابق من اللاحق والتابع من المتبوع، كما نستطيع أن نضع المسألة في الزمن الذي نبتت فيه المشكلة فنتعرف على الظروف الحضارية والبيئية التي واكبت المشكلة، لنرى إلى أي مدى أمكن لفقهائنا أن يستنبطوا الاستنباط الصحيح، وأن يوفقوا إلى الحكم السليم.
وكتب تراجم الفقهاء تزيل اللبس الذي يقع في أسمائهم، وتكشف عن كناهم وألقابهم، وربما أدى اللبس في أسماء بعض الفقهاء إلى عزو قول إلى من لم يقله، أو نفيه عن صاحبه، أو اتهام من هو بريء من التهمة، فكان لزاما على الفقيه أن يتعرف إلى وجه الحق في ذلك عن طريق كتب التراجم.
وتعرض كتب تراجم الفقهاء فيما تعرض مثلا عليا عاش عليها الفقهاء، ونهجا قويما في حياتهم العامة وحياتهم العلمية، وسلوكا رائعا في مواقفهم ممن يريدون طمس الحق، أو تزوير العدالة، أو الخروج عن أحكام الشرع، وفي ذلك من القدوة ما ينشئ الأجيال على معان كريمة، وأسس راسخة قوية.