الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:
فلما كانت الأوراق النقدية لا قيمة لها في نفسها، ولم تكن قيمتها مستمدة من مجرد إصدار الدولة لها وحمايتها إياها، وإنما قيمتها فيما أكسبها ثقة الدول بها، وجعلها مع سن الدولة لها قوة شرائية وأثمانا للسلع ومقياسا للقيم، ومستودعا عاما للادخار، ولما كان الذي أكسبها ذلك وجعلها صالحة للحلول محل ما سبقها من العملات المعدنية هو ما استندت إليه من الغطاء ذهبا أو فضة أو ما يقدر بهما من ممتلكات الدولة أو إنتاجها أو احتياطها، أو أوراق مالية أو أوراق تجارية.
لما كان الأمر كذلك كانت الأوراق النقدية بدلا عما حلت محله من عملات الذهب أو الفضة التي سبقتها في التعامل بها، وكانت تابعة لهما، فما كان منها متفرعا عن ذهب فله حكم الذهب، وما كان منها متفرعا عن فضة فله حكم الفضة، وعلى هذا تجب فيها الزكاة كأصلها، ويقدر فيها النصاب بما قدر به في أصلها، ويجري فيها ربا الفضل والنسيئة مع اعتبار أن ما كان منها متفرعا عن فضة حسب الأصل جنس، وما كان متفرعا عن ذهب في الأصل جنس، ولا يجوز بيع الورقة النقدية بما تفرعت عنه من الذهب أو الفضة. . . مع التفاضل
ويعتبر قبض الأوراق النقدية في حكم قبض ما حلت محله من الذهب أو الفضة، هذا وليس بلازم أن يكون في خزينة الدولة ذهب أو فضة بالفعل ما دامت خاماتها وسائر إمكانياتها التي تقدر بوحدتها السابقة من الذهب أو الفضة قائمة محققة، تقوم مقامها في استمرار الثقة بالأوراق النقدية في دولة الإصدار وغيرها من الدول، وليس بلازم أيضا أن تسلم مؤسسة النقد ذهبا أو فضة لحامل الورقة النقدية مقابل ما فيها ما دامت الأوراق النقدية تؤدي وظيفتها وتقوم بما أنشئت من أجله، فإن لولي الأمر أن يتصرف في غطاء الأوراق النقدية أيا كان الغطاء فيما يعود على أمته بالمصلحة من وجوه تنمية