للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التسخير الكوني والتسخير الشرعي]

الانقياد لله تسخيرا طوعا أو كرها في كائنات الله يقتضي انقياد الناس لدينه حتى يتم التناسق بين الخلائق في الكون كله.

إنك إذا نظرت إلى كائنات الله في السماء من شمس وقمر ونجوم وما أودعه الله في قوى العالم السماوي وجدتها تسير على سنن الله المحكمة. لا يختل توازنها، ولا يعتريها اضطراب، تؤدي وظائفها في الحياة على نهج دقيق يدهش العقول، وتخر لعظمته الجباه صاغرة إكبارا للخالق المدبر، ذلك لأنها مسخرة بأمر الله {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (١)

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} (٢) {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} (٣)

وإذا نظرت إلى الأرض وما عليها من كائنات مختلفة الخلق سوى الإنسان كالنبات والطير والأنعام والدواب واليابس والماء والسهول والجبال وما في العالم الأرضي من قوى متنوعة، وجدت هذه العوالم كلها تسير على سنن الله المحكمة كذلك، مسخرة لأداء وظائفها في عمارة الأرض والانتفاع بخيراتها، بما يشهد لله الخالق بالكمال والإجلال.

{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (٤)

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} (٥) {يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (٦)

وهذا الإنسان إذا استثنينا أعماله الاختيارية وجدناه كذلك خاضعا لله تسخيرا في جهازه العصبي وجهازه التنفسي، وحركته الدموية، وأفعاله الاضطرارية بالقيام بوظائفه العضوية قياما ينطق بالعبودية لله.

{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} (٧) {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} (٨) {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} (٩)

وما كان للعالم السماوي، أو العالم الأرضي، أو الجانب الاضطراري في الإنسان أن يخرج عن سنة الله في إرادته الكونية.


(١) سورة النحل الآية ١٢
(٢) سورة النور الآية ٤٣
(٣) سورة النور الآية ٤٤
(٤) سورة النور الآية ٤٥
(٥) سورة النحل الآية ١٠
(٦) سورة النحل الآية ١١
(٧) سورة السجدة الآية ٧
(٨) سورة السجدة الآية ٨
(٩) سورة السجدة الآية ٩