للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع الربا في القرآن]

وأول ما ورد ذكر الربا في القرآن الكريم بسورة الروم المكية (الآية ٤٠) في قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (١)

وقيل: إن الربا في هذه الآية ليس ما عهد حظره من زيادة الديون المؤجلة، وإنما هو ربا حلال، يعني من يهدي مبتغيا أن يعوضه المهدي إليه بخير من هديته، وقيل: إن الآية تقصد ربا الديون، وتهيئ لتحريمه بالإيماء إلى محقه وبمقابلته بالزكاة التي يتضاعف ثوابها.

وجاء النهي عن الربا في الآيتين ١٣١، ١٣٠ من سورة آل عمران بالمدينة المنورة، حيث قال جل ثناؤه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (٢) {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (٣) ويتفق المفسرون على أن هذه الآية نزلت في الربا الذي كانت تجري به معاملات الجاهلية في تأجيل الديون، وكان الربا يتزايد أضعافا كلما تضاعف امتداد آجال الدين، وما كانوا يعرفون التفرقة التي استحدثتها القوانين الوضعية بين الربا الفاحش والربا اليسير، فلم يرد قوله تعالى: {أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (٤) لتقييد الربا المنهي عنه بما زاد سعره وفحش مقداره، بل تعبيرا عما كان عليه أمرهم في المداينات الربوية، وينصرف النهي في الآية إلى الربا قليله وكثيره، ولا بكون ثم نهي جزئي عن الربا الفاحش، ثم جاء من بعده التحريم الكلي للربا في سورة البقرة، كالذي ظنه المستشرقون من التدرج الذي قالوا بمثله في نصوص التوراة وخلافا لما ينادي به بعض المحدثين من المسلمين في محاولتهم تبرير إنشاء بنك وطني بمصر من القول بأن الربا المجمع على حظره، إنما هو الربا المضاعف الذي يبلغ رأس المال أو يزيد عليه. ويقول الله تعالى في سورة البقرة بالآيات ٢٧٥ - ٢٨١: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (٥) {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (٦) {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (٧) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (٨) {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} (٩) {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (١٠) {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (١١)

وقد جاءت هذه الآيات بعد الآيات


(١) سورة الروم الآية ٣٩
(٢) سورة آل عمران الآية ١٣٠
(٣) سورة آل عمران الآية ١٣١
(٤) سورة آل عمران الآية ١٣٠
(٥) سورة البقرة الآية ٢٧٥
(٦) سورة البقرة الآية ٢٧٦
(٧) سورة البقرة الآية ٢٧٧
(٨) سورة البقرة الآية ٢٧٨
(٩) سورة البقرة الآية ٢٧٩
(١٠) سورة البقرة الآية ٢٨٠
(١١) سورة البقرة الآية ٢٨١