للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أم المسيح (١)

وكما يأتلق شعاع الضحى بعد رحلة ربداء في أغساق الظلام. . كان ميلاد المسيح الهادي رجفة زلزلت شوامخ الطقوس الدينية المجدبة، التي لا حياة فيها ولا روح!

والقرآن كان كذلك - سجلا حافلا بمضامين هذا الميلاد الغريب. . وكأنما ولد عيسى على هذا النحو ليلفت إليه أبصار اليهودية المعصوبة، التي تقوقعت داخل مفاهيم محفلية جوفاء. . نضب فيها زيت الحياة الخالد، وخبا في سراجها وهج الروح المتألق الشعاع. . والقرآن يتحدث حين يتحدث لا عن أب لعيسى رعرعه، ولا عن أسرة له أنجبته، ولكن عن أمه الطاهرة البتول، التي خلدت الأمومة في أنصع صفحات تاريخها الوضيء. . تلك الأمومة الفذة، التي تعرضت لامتحان باتر رهيب، فلم تهن. . ولم تتهالك. . وإنما شمخت بكل ما في كيانها الباسل من إباء. . متحدية تخرص المتخرصين، ولغط اللاغطين، ماضية على طريقها الوامض، كأنها شجرة فارعة هيفاء. . لا يضيرها أبدا أن تسقط العاصفة من هنا ورقة. . أو من ههنا ورقات!

إنها مريم. . التي نشأت في بيت دين وفضيلة وعلم، والتي كان أبوها شيخا جليلا رائعا في قومه. . فلما حملت بها أمها نذرتها لخدمة الهيكل. . {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (٢) {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (٣) {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (٤)


(١) المراجع السابقة.
(٢) سورة آل عمران الآية ٣٥
(٣) سورة آل عمران الآية ٣٦
(٤) سورة آل عمران الآية ٣٧