للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو لم يظهر محمد لبطلت نبوة الأنبياء:

ولو لم يظهر محمد صلى الله عليه وسلم لبطلت نبوة سائر الأنبياء، فظهور نبوته تصديق لنبواتهم وشهادة لها بالصدق، فإرساله من آيات الأنبياء قبله، وقد أشار الله سبحانه إلى هذا المعنى بعينه في قوله: {جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} (١)، فإن المرسلين بشروا به وأخبروا بمجيئة، فمجيئه هو نفس صدق خبرهم، فكان مجيئه تصديقا لهم، إذ هو تأويل ما أخبروا به، ولا تنافي بين هذا وبين القول الآخر: إن تصديقه المرسلين شهادته بصدقهم وإيمانه بهم، فإنه صدقهم بقوله ومجيئه، فشهد بصدقهم بنفس مجيئه، وشهد بصدقهم بقوله، ومثل هذا قول المسيح فيما حكاه الله تعالى في القرآن الكريم عنه: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (٢). فإن التوراة لما بشرت به وبنبوته كان نفس ظهوره تصديقا لها، ثم بشر برسول يأتي من بعده، فكان ظهور الرسول المبشر به تصديقا له، كما كان ظهوره تصديقا للتوراة، فعادة الله في رسله أن السابق يبشر باللاحق، واللاحق يصدق السابق، فلو لم يظهر محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبعث لبطلت نبوة الأنبياء قبله (٣)


(١) سورة الصافات الآية ٣٧
(٢) سورة الصف الآية ٦
(٣) هداية الحيارى لابن القيم ٦٣٤ - ٦٣٥.