للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأما مخالفة صاحب المقال لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أسري به إلى بيت المقدس، عرج به جبريل حتى علا به فوق السماوات السبع، وظهر به لمستوى يسمع فيه صريف الأقلام، ودنا من الرب - جل جلاله - فكلمه الله وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فلم يزل يتردد بين ربه وبين موسى في طلب التخفيف عنه وعن أمته؛ حتى جعلها الله خمس صلوات.

وقد جاء في هذا أحاديث صحيحة، الأول منها: رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث شريك بن عبد الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه، والثاني: رواه الإمام أحمد ومسلم من حديث ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه. والثالث: رواه النسائي من حديث يزيد بن أبي مالك عن أنس رضي الله عنه. والرابع: رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم من حديث قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه. والخامس: رواه البخاري ومسلم من حديث ابن شهاب عن أنس بن مالك عن أبي ذر رضي الله عنه.

وقال الزهري في هذا الحديث: أخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري رضي الله عنهما كانا يقولان: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام (١)»، قال ابن حزم وأنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ففرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى عليه السلام، فقال: ما فرض الله على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة. قال: فارجع إلى ربك؛ فإن أمتك لا تطيق. فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه فقال: ارجع إلى ربك؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك. فراجعت، فقال: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي (٢)» الحديث.

وفي عروج النبي صلى الله عليه وسلم من الأرض إلى ما فوق السماوات السبع، وما أكرمه الله به من الدنو منه أبلغ رد على من زعم أن معية الله لخلقه معية ذاتية. وكذلك في تردده صلى الله عليه وسلم بين ربه وبين موسى عليه الصلاة والسلام عدة مرات، حين كان موسى يقول له: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. فيعرج به جبريل إلى الله فيسأله التخفيف لأمته؛ حتى


(١) صحيح البخاري الصلاة (٣٤٩)، صحيح مسلم الإيمان (١٦٣)، سنن الترمذي الصلاة (٢١٣)، سنن النسائي الصلاة (٤٥٠)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ١٤٤).
(٢) صحيح البخاري الصلاة (٣٤٩)، صحيح مسلم الإيمان (١٦٣)، سنن الترمذي الصلاة (٢١٣)، سنن النسائي الصلاة (٤٤٩)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ١٤٤).