يختلف الحنفية في حكمهم على المخدرات تشديدا أو تخفيفا، وليس في التخفيف أدنى من إباحة القدر اليسير بدون قصد اللهو والباطل، وليس في التشديد حكم بحد المتعاطي ولا بنجاسة المادة، وبهذا يقول جماعة من الشافعية، وهو مفاد ما نقلناه عن المالكية إلا في الحشيشة إذا عرف إسكارها فلها حكم الخمر في القليل والكثير، كما تقدم تفصيل ذلك، وكلهم مجمعون على حرمة التخدير والسكر، وفي كلام بعض الحنفية أن الخلاف في القليل كان قبل ظهور مفاسدها، فلما ظهرت أجمعوا على حرمة القليل والكثير مما يدل على اتساع أفق الفقه، وأن الفقهاء فيما لم يرد فيه نص بين يقولون بدوران الحكم مع علته، ويلتمسون ما في الفعل من نواحي النفع الخالص أو الراجح والضرر الخالص أو الراجح كما أشرنا إلى ذلك من قبل، وإليك من عبارات الحنفية ما يبين رأيهم واختلاف وجهة نظرهم في دائرة متقاربة لا تخرج عن تحريم المخدرات.
يقول الإمام التمرتلي في شرحه لمتن القدوري (١): ولا يجوز أكل البنج والحشيشة والأفيون، وذلك كله حرام؛ لأنه يفسد العقل حتى يصير الرجل فيه خلاعة وفساد، ويصده عن ذكر الله وعن الصلاة، لكن تحريم ذلك دون الخمر، فإن أكل شيئا من ذلك لا حد عليه، وإن سكر كما إذا شرب البول وأكل الغائط فإنه حرام ولا حد فيه بل يعزر بما دون الحد) أهـ.
وهي عبارات موجزة محدودة أطلق فيها التحريم وأوجب التعزير ولم يقل بالحد كما هو قول الجمهور من الفقهاء؛ لأن حرمتها كما قال دون حرمة الخمر التي تثبت حرمتها بالقرآن الكريم والسنة وإجماع المسلمين وعلمت من الدين بالضرورة.
ويقول صاحب فتح المعين وهو الشيخ أبو السعود المفتي الحنفي في حاشيته على