إن هدف الورقة أن تحمل المثقف السعودي على مواجهة الذات وإثارة الأسئلة والتماس أجوبتها المبنية على الحقائق الموضوعية ونتائج المحاكمة المنطقية، وأن يتحرر من العبودية للأفكار السائدة والتصورات الشائعة المبنية على الوهم والخيار والتي كل سندها وسر قوتها إلفها وغلبة انتشارها على الجمهورية، قد يعذر المثقف السعودي في عجزه عن استشراف المستقبل، ولكنه ليس معذورا عن أن يتعامى عن حقائق الحاضر وأن يصر على التشبث بأوهام الماضي.
إن سمة هذا العصر الواضحة هي تسارع التغيير والتطور فلا مجال لمواكبة الحياة لمن يستنيم لأغلال الاتجاهات الدجماتية في أمر لا مجال للدجماتية فيه.
إن التقدم لا يتم بنقل مظاهره من البلاد المتقدمة، وإنما بالسيطرة على منهج التفكير وطريقته في البلاد المتقدمة، وبإدراك هذه البديهة: إن المقياس الدقيق للتقدم هو مدى القدرة على الانتفاع بالإمكانيات المتاحة سواء كانت مادية أم معنوية، بل سواء كانت إيجابية أو سلبية، إذ من مظاهر التخلف الغربية أن بعض مشكلات التخلف يمكن حلها بأن يتوقف البلد المتخلف عن خلق المشكلة، وتثبيتها على التخلف يعجزها لا عن الانتفاع بإمكانية العمل بل عن الانتفاع بإمكانية عدم العمل.
إن واجب المثقف السعودي المشغول بالتفكير في التقدم الاقتصادي لبلده أن يلح على نفسه بالسؤال، هل اكتشفنا إمكانياتنا المتاحة المعنوية قبل المادية، وما هو مدى شجاعتنا وقدرتنا على الانتفاع بهذه الإمكانيات، والله المستعان، وصلى الله على النبي الكريم الذي بتربيته تحول رجال الصحراء إلى قادة أخرجوا الناس في بلاد الحضارة من ضيق الدنيا إلى سعتها، وقدموا إنجازات مذهلة - بكل المعايير - في المجال الاقتصادي لا يمنع من تقديرها حق قدرها إلا الجهل بها.