لها النجاح بقدر ما وفقت له من إخلاص النية والقوة في الأخذ بالأسباب المادية، ولعل من الملفت للنظر أن التقارير الإحصائية أثبتت بالأرقام أن أكثر هذه المؤسسات تحفظا ودقة في ممارسة الأساليب الإسلامية كانت أعظمها توفيقا ونجاحا.
(٨) أثبتت التجارب الواقعية والكتابات والإحصاءات الحديثة أن نظام الفائدة الربوي ليس حجر الفلاسفة الذي يحول الرصاص إلى ذهب، وإن هذا النظام ليس فقط عاجزا عن توفير الشروط لوجود اقتصاد نام مستقر سليم بل إن هذا النظام في كثير من الأوقات دمر شروط ودعائم الاقتصاد ونموه واستقراره.
(٩) إن الفكرة التي اخترعها قبل أكثر من ٣٥ سنة دولة الدكتور معروف الدواليبي بدافع ظروف معينة، والتي تفترض إمكانية التفريق بين الفائدة في قروض الاستهلاك والفائدة عن قروض الإنتاج أو الاستثمار، باعتبار أن الأولى تقتضي استغلال المقرض للمقترض بخلاف الثانية، هذه الفكرة بالرغم من ظهور بطلانها لمعارضتها للنصوص القاطعة والإجماع الذي لم يفرق بين ربا وربا، فقد كشف رجال القانون منذ ظهور الفكرة أنها لا تستند إلى حقائق وإنما إلى أوهام، فمن وجه واضح أن التفريق بين قروض الاستهلاك وقروض الاستثمار من الناحية العملية مبني على معيار النية الباطنة، وهذا المعيار يصلح للتفريق في القضايا الأخلاقية ولكنه لا يصلح للتفريق في قضايا المعاملات، إلا إذا اتخذت النية مظهرا خارجيا يمكن الحكم عليه، ومن وجه ثان فإن الاستغلال لا يكون ملازما دائما لقروض الاستهلاك وانتفاؤه لا يكون لازما دائما لقروض الإنتاج، فمثلا يمكن أن يقترض أحد المترفين تمويل شراء يخت للنزهة، ويمكن أن يقترض مهني فقير لإنشاء ورشة صغيرة يعتاش منها - فكما نرى - القرض الأول قرض استهلاك والقرض الثاني قرض إنتاج فهل يمكن عقلا القول بأن المقرض في القرض الأول مراب استغل حاجة المقترض، وأن المقرض الثاني ممول شريف لم يستغل حاجة المقترض.