للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رسالة المسجد في عصور ازدهارها]

بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- حياة الإسلام في المدينة بإقامة المسجد، وفعله هذا سنة للمسلمين من بعده، وله دلالة بالغة الخطر لمن يريد أن يتفهم روح الإسلام ويتعرف على أساس حضارته، ولمن يريد أن يدرك مكان " المسجد " في مجتمع الإسلام!

إنه يعني - في فهمنا - التزام المسلمين بتوجيه حضارتهم - كليا وجزئيا - إلى غايات ووسائل لتكون في خدمة دينهم، وغاية دينهم في النهاية إنما تتمثل في إعلاء كلمة الله في الأرض، والمسجد هو مركز هذا التوجيه.

مكان المسجد في حياة المسلمين إذن جد خطير، والقرآن الكريم يضفي على أماكن العبادة عامة قيمة سامية ويمنحها جلالا وقدسية! وحسبك أن يقرر القرآن أن حمايتها والحفاظ عليها واجب تشرع من أجله الحرب ويجب الجهاد {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (١)

نستطيع أن نقول مطمئنين إن " المسجد " هو المؤسسة الحضارية الأولى في مجتمع الإسلام، ومعنى هذا أن للمسجد وعليه معا أن يقوم بدور يتكافأ مع مكانه من هذه الحضارة وهو دور يقوم به تجاه سائر ما يقيمه المجتمع من مؤسسات! ولا يفهم هذا الدور الأعلى أنه إعلام كامل شامل بهذا الدين.

لقد كان " المسجد " في عهد النبوة - واستمر في عصور الإسلام الأولى - هو مركز التوجيه والإشعاع الفكري، والأخلاقي، والتربوي، والأدبي، والاجتماعي.

وقد استطاع المسجد في تلك العصور أن يكون مجالا تحيا فيه القيم الإسلامية، وتمارس فيه أنماط السلوك العملي التي تجسد هذه القيم، مما أتاح للمسلمين حرية فكرية منقطعة النظير. ومن حول سواري المساجد قامت مذاهب ونشأت تيارات في الفقه والفلسفة والتوحيد والنحو والأدب والنقد، وقامت المحاورات والمناظرات، وكان " المسجد " بما له من قدسية ضمانا لهذه الحرية الفكرية التي يفخر بها تاريخ المسلمين!


(١) سورة الحج الآية ٤٠