للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلى شهدنا.

وقديما بحث الإمام أبو محمد بن حزم - في كتابه الفصل- موضوع البذرة وخواصها- وجيناتها المميزة- وكان مما تحدث عنه هناك ما يمكن تسميته بـ (نظرية الكون)، التي تلخص باحتواء البذرة مهما تبلغ من الضآلة على كل خصائص النوع، من جذور وفروع وأوراق وألياف وما لا يحصيه إلا الله من مركباته. . . فمهمتها بعد توافر الوسط الصالح إطلاق كل جزيء منها في سبيله المرسومة حتى يستوفي هيئته المقدرة له.

وهذا مما يذكرنا بمضمون الآية الكريمة من سوره الأعراف حيث يقول جل وعز {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (١).

ويأتي الحديث الشريف ليفصل لنا مجمل هذا المضمون العجيب بقوله صلوات الله وسلامه عليه وآله - حسب رواية أحمد عن ابن عباس -: «إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه، ثم كلمهم قبلا) قال (٣)».

وأول ما يتبادر للذهن من مفهوم لهذا الحديث الشريف هو أن في صلب أبي البشر- آدم عليه السلام- أصول ذراريه جميعا، وأن الله تبارك اسمه قد استخرجهم وأخذ عليهم ميثاق التوحيد، الذي أودعه فطرهم. . ونحن لا نتصور مقدار الصغر الذي كانت عليه هذه الأصول يومذاك، ولكننا لا نستغرب الخبر بعد أن كشف العلم الحديث بعض صفات الذرة التي تنطوي على ما لا يتصور من الطاقة، مع أن أربعين


(١) سورة الأعراف الآية ١٧٢
(٢) وقد تعددت صور هذا الحديث وروايته بين مرفوع وموقوف. انظر تفسير ابن كثير للآية.
(٣) سورة الأعراف الآية ١٧٢ (٢) {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}