للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرابع

التكرار في القرآن الكريم

وهو من أساليب الفصاحة في اللغة العربية لما ينطوي عليه من فوائد في الكلام. فإن كلام البلغاء لا يتكرر عبثا وإنما لفوائد ومعان جديدة. ولما كان هذا حال كلام العرب، فكلام الله أولى بذلك فإنك لا ترى كلمة أو آية تكررت إلا لحكمة وفائدة.

وقد استعمل التكرار في القرآن جريا على عادة العرب في كلامهم، يقول الزركشي: " وقد غلط من أنكر كونه من أساليب الفصاحة، ظنا أنه لا فائدة له، وليس كذلك، بل هو من محاسنها لا سيما إذا تعلق بعضه ببعض، وذلك أن عادة العرب في خطاباتها إذا أبهمت بشيء إرادة لتحقيقه وقرب وقوعه، أو قصدت الدعاء عليه، كررته توكيدا، وكأنها تقيم تكراره مقام المقسم عليه، أو الاجتهاد في الدعاء عليه، حيث تقصد الدعاء، وإنما نزل القرآن بلسانهم ".

وقبل أن أجمل أغراض وفوائد التكرار في القرآن الكريم أسوق للقارئ صورا من التكرار في الشعر الجاهلي لبيان أنه من أساليب العرب المتبعة في الكلام.

مثال ذلك شعر المهلهل بن ربيعة بمناسبة حرب البسوس يصف الأيام التي كانت الدائرة فيها لبني تغلب على بكر:

على أن ليس عدلا من كليب ... إذا رجف العضاة من الدبور (١)

على أن ليس عدلا من كليب ... إذا طرد اليتيم عن الجزور

على أن ليس عدلا من كليب ... إذا ما ضيم جيران المجير

على أن ليس عدلا من كليب ... إذا خيف المخوف من الثغور

على أن ليس عدلا من كليب ... غداة بلابل الأمر الكبير (٢)


(١) رجف: تحرك. والعضاة: كل شجر له شوك.
(٢) البلابل: الاضطراب.