للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ج- القصاص يشمل النفس والأعضاء بخلاف لفظ القتل، فإنه قاصر على النفس.

ثم إن مفاد الآية مستقيم على إطلاقه لأن الإنسان إذا علم أن اعتداءه على الآخرين يوجب القصاص منه ارتدع عن قتلهم أو جرحهم فكان ذلك سبب حياته وحياة من أراد قتله. أما الحكمة فإن مفادها غير مستقيم على إطلاقه، فليس كل قتل أنفى للقتل كما تقول، بل إن القتل عدوانا أدعى للقتل وليس أنفى له.

الثاني: الآية أوجز عبارة، فإن قوله تعالى: {الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (١) تتكون من عشرة أحرف، أما قولهم " القتل أنفى للقتل" فيتكون من أربعة عشر حرفا.

الثالث: الآية لا تكرار فيها بخلاف حكمة العرب ففيها تكرار لفظ القتل.

الرابع: الآية أحسن تأليفا لملاءمة حروفها بعضها بعضا، يقول الرماني: " وأما الحسن بتأليف الحروف المتلائمة فهو مدرك بالحس وموجود في اللفظ، فإن الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة، لبعد الهمزة عن اللام. وكذلك الخروج من الصاد إلى الحاء أعدل من الخروج من الألف إلى اللام " (٢).

ومن أمثلة إيجاز القصر قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} (٣) فإن الآية تشير إلى الصراع الدائم بين الخير والشر وبين الحق والباطل وبين الفضيلة والرذيلة. وأن سيطرة الشر والباطل والرذيلة يؤدي إلى فساد في الأرض ولا يزول هذا الفساد إلا بمقاومة الخير والحق والفضيلة له (٤).


(١) سورة البقرة الآية ١٧٩
(٢) الرماني، النكت في إعجاز القرآن ص ٧٨.
(٣) سورة البقرة الآية ٢٥١
(٤) انظر مزيدا من الشواهد في، الباقلاني، إعجاز القرآن ١٩٢ - ١٩٤، البوطي، من روائع القرآن ١٨١ - ١٨٣.