للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثروة من أيدي المواطنين إلى هؤلاء الأجانب حتى إذا أفاقت الحكومات وأرادت الذود عن نفسها وأموالها استعدى هؤلاء الأجانب عليها دولهم فدخلت باسم حماية رعاياها، ثم تغلغلت هي كذلك فوضعت يدها مستثمرة مرافق البلاد، ولهذا لعن رسول الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء (١).

أما حكمة تحريم الربا فتشمل الجانب الاقتصادي والأخلاقي والاجتماعي، وتفصيل ذلك ملخصا فيما جاء في تفسير الفخر الرازي وهي كما يلي:

١ - إن الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض؛ لأن من يبيع الدرهم بالدرهمين يحصل له زيادة درهم من غير عوض. ومال الإنسان متعلق بحاجته وله حرمة عظيمة كما جاء في الحديث: «حرمة مال المسلم كحرمة دمه (٢)» فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرما.

٢ - إن الاعتماد على الربا يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد نقدا كان أو نسيئة خف عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والصناعات الشاقة والتجارة وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق. ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعات والعمارات، وهذا هو الجانب الاقتصادي.

٣ - إنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض؛ لأن الربا إذا حرم طابت النفوس بقرض الدراهم واسترجاع مثله. ولو حل الربا لكانت حاجة المحتاج تحمله على أخذ الدرهم بدرهمين فيفضي ذلك إلى انقطاع المواساة والمعروف والإحسان، وهذا هو الجانب الأخلاقي.

٤ - إن الغالب أن المقرض يكون غنيا والمستقرض يكون فقيرا، فالقول بتجويز عقد الربا تمكين من يأخذ من الفقير الضعيف مالا زائدا وذلك غير جائز برحمة الرحيم وهذا هو الجانب الاجتماعي. ومعنى هذا أن الربا فيه اعتصار الضعيف لمصلحة القوي ونتيجته أن يزداد الغني غنى والفقير فقرا مما يفضي إلى تضخم طبقة من المجتمع على حساب طبقة


(١) رواه مسلم ـ روح الدين الإسلامي ص ٣٣٢.
(٢) مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٤٦).