للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنهن قلن: ما نرى هذا إلا خاصا لسالم وما ندري لعله رخصة لسالم، فإذن هو ظن بلا شك، فإن الظن لا يعارض السنن، قال تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (١) وشتان بين احتجاج أم سلمة - رضي الله عنها - باختيارها وبين احتجاج عائشة بالسنة الثابتة وقولها: أما لك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة؟ وسكوت أم سلمة يعني برجوعها إلى الحق عن احتياطها (٢).

وهذا رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث ذكر في فتواه ما نصه: ورضاع الكبير تنتشر به الحرمة، بحيث لا يحتشمون للحاجة؛ لقصة سالم مولى أبي حذيفة وهو مذهب عائشة وعطاء والليث وداود ممن يرون أنه ينشر الحرمة مطلقا (٣).

والراجح ما ذهب إليه الجمهور؛ لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (٤) ولا شيء بعد التمام، أما دليل زفر فلا اعتبار له؛ لأنه لا معقول في مقابلة النص، وأما دليل أبي حنيفة على الوجه الذي ذكره فلا اعتبار له؛ لأن إجماع المفسرين على أن الأجل المضروب في الآية موزعا على الحمل والفصال لا ثابتا لكل منهما، وقد ثبت طبيا أن الرضاعة في الحولين الأولين هي وحدها السبب في تكوين الطفل وأن الرضاعة بعد الحولين لا تكون وحدها غذاء للطفل.


(١) سورة يونس الآية ٣٦
(٢) المحلى لابن حزم جـ ١٠ ص ١٢٨.
(٣) الفتاوى الكبرى لابن تيمية جـ ٤ ص ٥٨٩.
(٤) سورة البقرة الآية ٢٣٣