للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يبيعوا إلا بقيمة المثل، ولا يشتروا إلا بقيمة المثل، بلا تردد في ذلك عند أحد من العلماء. لأنه إذا منع غيرهم أن يبيع ذلك النوع أو يشتريه، فلو سوغ لهم أن يبيعوا بما شاءوا أو يشتروا بما شاءوا: كان ذلك ظلما للناس: ظلما للبائعين الذين يريدون بيع تلك السلع، وظلما للمشترين منهم.

فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع. وحقيقته: إلزامهم بالعدل، ومنعهم من الظلم. وهذا كما أنه لا يجوز الإكراه على البيع بغير حق، فيجوز أو يجب الإكراه عليه بحق، مثل بيع المال لقضاء الدين الواجب والنفقة الواجبة، ومثل البيع للمضطر إلى طعام أو لباس، ومثل الغراس والبناء الذي في ملك الغير. فإن لرب الأرض أن يأخذه بقيمة المثل. ومثل الأخذ بالشفعة. فإن للشفيع أن يتملك الشقص بثمنه قهرا.

وكذلك السراية في العتق. فإنها تخرج الشقص من ملك الشريك قهرا. وتوجب على المعتق المعاوضة عليها قهرا. وكل من وجب عليه شيء من الطعام واللباس والرقيق والمركوب- بحج أو كفارة أو نفقه- فمتى وجده بثمن المثل وجب عليه شراؤه، وأجبر على ذلك. ولم يكن له أن يمتنع حتى يبذل له مجانا، أو بدون ثمن المثل.

فصل: ومن هاهنا: منع غير واحد من العلماء- كأبي حنيفة وأصحابه- القسامين الذين يقسمون العقار وغيره بالأجره: أن يشتركوا. فإنهم إذا اشتركوا- والناس يحتاجون إليهم- أغلوا عليهم الأجرة.

قلت: كذلك ينبغي لوالي الحسبة: أن يمنع مغسلي الموتى والحمالين لهم من الاشتراك، لما في ذلك من إغلاء الأجرة عليهم. وكذلك اشتراك كل طائفة يحتاج الناس إلى منافعهم، كالشهود والدلالين وغيرهم، على أن في شركة الشهود مبطلا آخر. فإن عمل كل واحد منهم متميز عن عمل الآخر، لا يمكن الاشتراك فيه. فإن الكتابة متميزة، والتحمل متميز، والأداء متميز، لا يقع في ذلك اشتراك ولا تعاون فبأي وجه يستحق أحدهما أجرة عمل صاحبه؟ وهذا بخلاف الاشتراك في سائر الصنائع. فإنه يمكن أحد الشريكين أن يعمل بعض العمل والآخر بعضه. ولهذا إذا اختلفت الصنائع: لم تصح الشركة على أحد الوجهين لتعذر اشتراكهما في العمل. ومن صححها نظر إلى أنهما يشتركان فيما تتم به صناعة كل واحد منهما من الحفظ والنظر إذا خرج لحاجة. فيقع الاشتراك فيما يتم به عمل كل صاحب السلعة في بيعها. فإذا شارك غيره في بيعها كان توكيلا له فيما وكل فيه. فإن قلنا: ليس للوكيل أن يوكل: لم تصح الشركة. وإن قلنا: له أن يوكل: صحت. فعلى والي الحسبة: أن يعرف هذه الأمور، ويراعيها، ويراعي مصالح الناس وهيهات هيهات ذهب ما هنالك.