للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صحيحة، فقاموا التوفيق بينها، واستقروا على إباحة كتابة الحديث كما رأينا من كلام النووي حيث قال: " إنه كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم، فكرهها كثيرون منهم، وأجازها أكثرهم وزال الخلاف ".

وليس هناك دليل على أن النهي عن كتابة السنة في أول الأمر قد أدى إلى ضياع السنة كما يدعي غيوم وصاحبه ماكدونالد، بل بالعكس فإن بعض السلف كان يرى أن عدم الكتابة يساعد على حفظ السنة، واستحضارها في القلب، والعمل بها، وعدم خلطها بغيرها من كتب أهل الكتاب وأساطيرهم.

ويدلنا على ذلك قول الخطيب البغدادي الذي ذكرناه آنفا وفيه: ". . . نهى عن الاتكال على الكتاب؛ لأن ذلك يؤدي إلى اضطراب الحفظ حتى يكاد يبطل، وإذا عدم الكتاب قوي لذلك الحفظ الذي يصحب الإنسان في كل مكان. ولهذا قال سفيان الثوري: بئس المستودع العلم القراطيس ".

كما يدلنا على ذلك أيضا ما أورده الخطيب البغدادي " في تقييد العلم " عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال: " كنا نسمع الشيء فنكتبه، ففطن لنا عبد الله، فدعا أم ولده ودعا بالكتاب وبإجانة من ماء فغسله ".

ولقد أورد الخطيب البغدادي تعليقا حول ذلك حيث قال: " إنه لو كان من القرآن أو السنة لم يمحه، ولكنه كان من كتب أهل الكتاب ".

أما ادعاء فيليب حتى أن المحدثين قد نقلوا متون الأحاديث عن أهل الكتاب وبخاصة أناجيل النصارى، فيبطله ما رأيناه من توجيهات إلهية واردة في القرآن الكريم، والتي تحث المسلمين على طاعة الله ورسوله قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (١)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} (٢)


(١) سورة الأنفال الآية ١
(٢) سورة الأنفال الآية ٢٠