للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما حديث السيدة عائشة رضي الله عنها في أنه صلى الله عليه وسلم لم يبل واقفا قط، وحديث حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم بال واقفا، فقد ورد كل منهما في الكتب الصحيحة. أما الأول فقد أخرجه - الترمذي بسنده من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدا (١)».

أما الحديث الثاني فقد أخرجه البخاري بسنده من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائما، ثم دعا بماء، فجئته بماء فتوضأ (٢)».

ولقد جمع ابن قتيبة أيضا بين هذين الحديثين بما يلي: " قالوا حديثان متناقضان. . رويتم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما قط، ثم رويتم عن حذيفة: أنه بال قائما، وهذا خلاف ذاك. . ونحن نقول: ليس هاهنا - بحمد الله - اختلاف، ولم يبل قائما قط في منزله، والموضع الذي كانت تحضره فيه عائشة رضي الله عنها، وبال قائما في المواضع التي لا يمكن أن يطمئن فيها إما للشق في الأرض وطين أو قذر. وكذلك الموضع الذي رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة يبول قائما كان مزبلة لقوم، فلم يمكنه القعود فيه ولا الطمأنينة، وحكم الضرورة خلاف حكم الاختيار " (٣).

وهكذا يتضح لنا أن هذه الأحاديث ليست متعارضة في حقيقتها، ولم يعجز علماء المسلمين عن التوفيق بينها كما ادعى بعض المستشرقين، بل إن هؤلاء العلماء قد وفقوا أيما توفيق في تأويل هذه الأحاديث وغيرها بما يزيل عنها صور اللبس والإبهام، وكل ما قد يتبادر إلى الأذهان من شبهة التعارض، وهكذا استطاع العلماء من المحدثين وغيرهم الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، بما يحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم من الرد، وقبولها والعمل بما جاء في صحيحها.


(١) أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، باب النهي عن البول قائما ١/ ٢٧، ٢٨ قال الترمذي: حديث عائشة أحسن شيء في الباب (من عارضة الأحوذي).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب البول قائما وقاعدا ١/ ٣٢٨ (من صحيح البخاري بشرحه فتح الباري).
(٣) تأويل مختلف الحديث: ٦٢، ٦٣.