للثاني تزوجها، وإما أن لا يكون حل، والأول باطل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعنه، ولو كانت قد حلت له لكان تزوجه بها جائزا، ولم يجز لعنه، فيتعين الثاني. وإذا لم تكن حلالا للثاني، فكل امرأة يحرم التزوج بها فالعقد عليها باطل، وهذا ثابت بالإجماع المتيقن، بل بالعلم الضروري من الدين. وذلك أن محل العقد كالمبيع والمنكوحة إذا لم تكن مباحا كالميتة والدم والمعتدة والمزوجة كان العقد عليها باطلا بالضرورة والإجماع.
وإذا ثبت إنها لم تحل للثاني وجب أن يكون عقد الأول عليه باطلا؛ لأنه لو كان صحيحا لحصل به الحل كسائر الأنكحة الصحيحة، والكلام المحفوظ لفظا ومعنى في قوله تعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}(١). ومن قال: إن النكاح صحيح، وهي لا تحل له فقد أثبت حكما بلا أصل ولا نظير، وهذا لا يجوز.
نوقش هذا الدليل: بأن التحريم وإن اقتضى فساد العقد فإنما ذلك إذا كان التحريم ثابتا من الطرفين، فإذا كان التحريم ثابتا من أحدهما لم يجب الفساد كبيع المصراة والمدلس، وهذا التحليل المكتوم إنما هو حرام على الزوج المحلل، فأما المرأة ووليها فليس حراما عليهما إذا لم يعلما بقصد الزوج، فلا يكون العقد فاسدا كما ذكرنا من النظائر، إذ في إفساده إضرار المغرور من المرأة والولي، وصار هذا كما لو اشترى سلعة؛ ليستعين بها على معصية، والبائع لا يعلم قصده، فإن هذا العقد لا يحكم بفساده، وإنما حرم على المشتري، فالموجب للتحريم كتمان أحدهما لنقص المعقود عليه أو كذبه في وصفه، وإذا كان هذا العقد غير فاسد أثبت الحل؛ لأنه مقتضى العقد الصحيح، ثم قد يقال: تحل بهذا العقد للزوج الأول؛ عملا بعموم اللفظ والمعنى، وطردا للقياس كما قال بعضهم، وقد يقال: لا تحل به للأول كما قال محمد بن الحسن؛ لأن السبب معصية، والمعصية لا تكون سببا للاستحقاق، والحل وإن حكم بصحة العقد ووقوع السبب، ولا يلزم من حلها للزوج المحلل حلها للزوج المطلق؛ لأن الحل للأول حصل ضرورة تصحيح العقد لأجل حق العاقد الآخر، ومتى صح بالنسبة للمرأة فقد استحقت الصداق والنفقة واستحلت الاستمتاع؛ ولا يثبت هذا إلا مع استحقاق الزوج ملك النكاح واستحلاله الاستمتاع، بخلاف