للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (١) وهذا من طعامهم. قال ابن يونس واستخفه غير واحد من الصحابة والتابعين وقالوا قد أحل لنا ذلك وهو عالم بما يفعلونه أ. هـ. وأما ما ذبحوه للأصنام فلا يجوز أكله. قال ابن عبد السلام باتفاق لأنه مما أهل به لغير الله. قال اللخمي في تبصرته فيما ذبحه أهل الكتاب لعيدهم وكنائسهم وصلبانهم وما أشبه ذلك الصحيح أنه حلال، والمراد بما أهل لغير الله به ما ذبح على النصب والأصنام وهي ذبائح المشركين. قال أصبغ في ثمانية أبي زيد وما ذبح على النصب هي الأصنام التي كانوا يعبدون في الجاهلية، قال وأهل الكتاب ليسوا أصحاب أصنام. وفي البخاري قال زيد بن عمرو بن نفيل: إنا لا نأكل مما تذبحون لأنصابكم يعني الأصنام. وأما ما ذبحه أهل الكتاب فلا يراعى ذلك فيهم وقد جعل الله سبحانه لهم حرمة فأجاز مناكحتهم وذبائحهم لتعلقهم بشيء من الحق وهو الكتاب الذي أنزل عليهم وإن كانوا كافرين، ولو كان يحرم ما ذبح باسم المسيح لم يجز أن يؤكل شيء من ذبائحهم إلا أن يسأل هل سمي عليه المسيح أو ذبح للكنيسة بل لا يجوز. وإن أخبر أنه لم يسم المسيح لأنه غير صادق وإذا لم يجب ذلك حلت ذبائحهم كيف كانت أ. هـ.

فانظر كيف تضافرت كل هذه النصوص كباقي نصوص جميع المالكية على إناطة الحل والحرمة بكونه حلالا عندهم، أي يأكلونه وعدمه، وهذا بعينه هو ما قصد إليه ابن العربي والحفار وقال أهل المذهب كلهم يقولون ويفتون بحل طعام أهل الكتاب ومن جهة أخرى تعلم أن الذبح للصليب لم يكن من الشريعة المسيحية الحقة لأنه حادث بعدها إذ منشؤه حادثة الصلب المشهورة، فكل هذا يفيد أن المعتبر عند المالكية هو حلال عند أهل الكتاب في شريعتهم التي هم عليها، ومنه يعلم أيضا ما هو المراد من الميتة في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (٢) وأنها التي لم يقصد ذكاتها كما يعلم أنه يجب تقييد المنخنقة وما معها بما لم تقصد ذكاته ويكون هذا في المنخنقة وما معها بدليل {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} (٣) كما سبق، ومنه يتضح أن المراد بالميتة في قولهم: إن كان الكتابي يأكل الميتة فلا تأكل ما غاب إلخ إنها لم تقصد ذكاتها لأن القصد إلى الذكاة لا بد منه من مسلم أو كتابي حتى لو قطع رقبة الحيوان بقصد تجريب السيف أو اللعب لا يحل كما تقدم، ومنه يعلم أن الميتة المذكورة بالنسبة للكتابي هي الميتة عنده، وهي التي لم يقصد ذكاتها لا الميتة عندنا، ويتبين منه أيضا أن الشروط المذكورة للفقهاء في الذبائح والذكاة إنما هي بيان ما يلزم في الإسلام بالنسبة للمسلم لا لغيره ا. هـ.


(١) سورة المائدة الآية ٥
(٢) سورة المائدة الآية ٣
(٣) سورة المائدة الآية ٣