يأكلونه فهو من طعامهم الذي أطلق الله تعالى حله وهو يعلم ما يقولون وما يفعلون، وهذا القول يظهر لنا نكتة التعبير بالطعام دون المذبوح أو المذكى، لأن من المذكى ما هو عبادة محضة لا يذكونه لأجل أكله.
(٢) ذهب الشافعي إلى أن ذبائح نصارى العرب لا تؤكل، واحتج بأثر رواه عن عمر -رضي الله عنه- قال:" ما نصارى العرب بأهل كتاب، وما تحل لنا ذبائحهم، وما أنا بتاركهم حتى يسلموا، أو أضرب أعناقهم" وبقول علي المشهور في بني تغلب. فأما أثر علي -كرم الله وجهه- وقد تقدم، فهو حجة على الشافعي لا له، لأنه خاص ببعض العرب مصرح فيه بأنهم ليسوا نصارى، وأما أثر عمر -رضي الله عنه- فرواه في الأم عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وقد ضعفه الجمهور وصرح بعضهم بكذبه وممن طعن فيه مالك وأحمد، ومما قيل فيه أنه جمع أصول البدع فكان قدريا جهميا معتزليا رافضيا، وقد سئل الربيع حين نقل عن الشافعي أنه كان قدريا: ما حمل الشافعي على أن روى عنه؟ فأجاب بأنه كان يبرئه من الكذب ويرى أنه ثقة في الحديث. أي والعبرة في الحديث بالصدق لا بالمذهب. وقال ابن حبان بعد أن وصفه بالبدعة وبالكذب في الحديث: وأما الشافعي فإنه كان يجالس إبراهيم في حداثته ويحفظ عنه؛ فلما دخل مصر في آخر عمره وأخذ يصنف الكتب احتاج إلى الأخبار ولم تكن كتبه معه فأكثر ما أودع الكتب من حفظه وربما كنى عن اسمه، وقال إسحاق بن راهويه: ما رأيت أحدا يحتج بإبراهيم بن أبي يحيى مثل الشافعي، قلت للشافعي: وفي الدنيا أحد يحتج بإبراهيم بن أبي يحيى؟ أ. هـ. ملخصا من تهذيب التهذيب. ومما يدل على عدم صحة الأثر عدم العمل به، على أنه رأي صحابي خالفه فيه الجمهور فلا يحتج به وإن صح.
(٣) قال الشافعي في (باب الذبيحة وفيه من يجوز ذبحه) من الأم (٢٠٥ و٢٠٦ج٢): وذبح كل من أطاق الذبح من امرأة حائض وصبي من المسلمين أحب إلي من ذبح اليهودي والنصراني، وكل حلال الذبيحة غير أني أحب للمرء أن يتولى ذبح نسكه (أي كالأضحية والهدي) فإنه يروي «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لامرأة من أهله فاطمة أو غيرها أحضري ذبح نسيكتك فإنه يغفر لك عند أول قطرة منها». قال الشافعي: وإن ذبح النسيكة غير مالكها أجزأت لأن النبي نحر بعض هديه، ونحر بعضه غيره. وأهدى هديا فإنما نحره من أهداه معه، غير أني أكره أن يذبح شيئا من النسائك مشرك لأن يكون ما تقرب به إلى الله على أيدي المسلمين، فإن ذبحها مشرك تحل ذبيحته أجزأت مع كراهتي لما وصفت.
"ونساء أهل الكتاب إذا أطقن الذبح كرجالهم، وما ذبح اليهود والنصارى لأنفسهم مما يحل للمسلمين أكله من الصيد أو بهيمة الأنعام، وكانوا يحرمون منه شحما أو حوايا (أي ما يحوى الطعام