للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القول ببطلان العقد لبطلان الشرط لكونه من قبيل بيعتين في بيعة، المنهي عنها. وفي القول بصحة العقد وبطلان الشرط رواية عن الإمام أحمد سنده فيها حديث عائشة حيث أرادت أن تشتري بريرة للعتق فاشترط أهلها ولاءها فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق (١)» متفق عليه. فصحح الشراء مع إبطال الشرط. ويمكن أن يقال: بأن الشرط الجزائي من هذه الشروط الفاسدة المترتب على فسادها على المشهور لدى بعض أهل العلم فساد العقود المشتملة عليها. وتوجيه ذلك أن الشرط الجزائي يعتبر عقد معاوضة مغايرا للعقد الأصلي فهو من مسائل بيعتين في بيعة المنهي عنها. ويمكن أن يرد هذا بأن الشرط الجزائي ليس مستقلا عن العقد الأصلي وإنما هو من قبيل الاحتياط في إكماله بالوفاء بالشرط أو التعويض عما يترتب على الإخلال به من ضرر فليس من قبيل بعتك على أن تقرضني أو تزوجني أو تؤجرني؛ لأن كل وحد من هذه العقود يمكن أن يقع مستقلا عن العقد الأصلي بخلاف الشرط الجزائي فإنه لا يقع مستقلا.

الثاني من الشروط الفاسدة: شرط ينافي مقتضى العقد كأن يشترط في المبيع أن لا خسارة عليه أو ألا يبيع ولا يهب ولا يعتق، فهذه الشروط باطلة. وهل تبطل العقود المشتملة عليها؟ قولان لأهل العلم وهما روايتان عن الإمام أحمد: إحداهما لا يبطل العقد وهو المذهب، اختاره في المغني، ونصره في الشرح، وجزم به في الوجيز، وقدمه في الفروع؛ لحديث بريرة، وإذا ألغى الشرط لبطلان كان لصاحبه الخيار بين الفسخ وما نقص من الثمن، وقيل: ليس له إلا الفسخ أو الإمضاء ولا أرش له، ويمكن أن يقال: إن الشرط الجزائي ليس من هذا النوع من الشروط؛ لأنه منافاة بين نفاذه وبين العقد المشتمل عليه

الثالث من الشروط: الفاسدة شرط يعلق به العقد كقوله: بعتك إن جئتني بكذا أو إن رضي فلان، أو يقول الراهن: إن جئتك بحقك في محله وإلا فالرهن لك، فلا يصح المبيع، وهذا هو المذهب؛ لأن مقتضى العقد انعقاد البيع، وهذا الشرط يمنعه وللإمام أحمد رحمه الله رواية في تصحيح البيع والشرط اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأنه لم يخالف نصا. ويمكن أن يقال بأن الشرط الجزائي من هذا النوع من الشروط باعتبار عقد معاوضة مستقلا. وعلى هذا الاعتبار فهو عقد معاوضة معلق على حصول الإخلال بالتزام في العقد الأصلي فتجري فيه أحكام هذا النوع من الشروط إلا أن القول ببطلان العقد لبطلانه لا يأتي على العقد الأصلي المشتمل عليه؛ لأن تحقق العقد الأصلي ليس مرهونا بوجود الشرط وإنما يعتبر الشرط الجزائي عقد معاوضة مستقلا معلقا نفاذه على الإخلال بالعقد الأصلي ذلك؛ لأن النص في عقد المقاولة مثل بعبارة: إن تأخر إكمالك العمل عن شهر كذا فعليك عن كل شهر تتأخر مبلغ كذا. يعتبر عقدا يشبه في الجملة عقد الرهن المتضمن قول الراهن: إن جئتك بحقك في محله وإلا فالرهن لك. ويمكن أن يرد على هذا بأن الشرط الجزائي ليس مستقلا عن العقد الأصلي وإنما هو من قبيل الاحتياط في إكماله بالوفاء بالشرط أو التعويض عما يترتب على الإخلال به من ضرر فليس من قبيل: بعتك على أن تقرضي أو تؤجرني أو تزوجني؛ لأن كل واحد من هذه العقود يمكن أن يقع مستقلا عن العقد الأصلي بخلاف الشرط الجزائي فإنه لا يقع مستقلا.

ونذكر جملة من العقود التي اقترن بها شرط، وكان ذلك مثار خلاف أئمة الفقهاء.


(١) صحيح البخاري البيوع (٢١٦٨)، صحيح مسلم العتق (١٥٠٤)، موطأ مالك العتق والولاء (١٥١٩).