أوطانه, من ترك أكثر الناس سنن الإتباع, وإتباعهم سنن الهوى والابتداع, وتقربهم بالرقص المسمى بالسماع, مع أن ما حدث في ذلك الزمان المار, لا يفي بالنسبة لما بعده بعشر معشار, فقد جرى بعده رحمه الله أمور وأمور, أذهبت من السنة المحمدية مشرق النور, وهتكت من الملة المحمدية الستور, وارتكب من البدع والأهواء كل محظور, وصار ذلك عندهم هو الدين المشهور, والمنهج المحمود المأثور, شغلوا بسماع السماع, وشغفوا بنعمة اليراع , وأصغوا إلى اللهو بالقلوب والأسماع, ونثلوا إليه بالإسراع, وما لهم إلى غيره إزماع, قد هجروا السنة والقرآن, وأقبلوا على استماع الدف والألحان, التي هي رنة الشيطان, وجعلوا العبادة رقصا وطربا, واتخذوا دين الله لهوا ولعبا, وحققوا لمشايخهم الأسرار بملازمتهم للعود والدف والمزمار, وحكموا على من قام عليهم لله بالإنكار, بأنه من جملة الكفار {أَلمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار ِجَهَنَّمَ يَصْلوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} (إبراهيم:٢٩) {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلى النَّارِ} (إبراهيم:٣٠) .
هذه أشعار الصوفية الأماثل, ونسبوا أنفسهم إلى أولئك الزهاد الأفاضل (١) , وقد جعلوا ذلك الشعار حبايل إلى كل أموال الناس بالباطل, والكل منهم محتال عليها وخاتل, أيحسبون أن الله تعالى عن صنيعهم غافل, أو ليس بمحاسب لهم ومسائل؟ {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلى وَرُسُلُنَا لدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (الزخرف:٨٠) {وَلا تَحْسَبَنَّ
(١) هم قدماؤهم المتمسكون بالكتاب والسنة.