وقولهم: (فأوصانا) يريدون وصية جامعة كافية, فإنهم لما فهموا أنه مودع استوصوه وصية ينفعهم التمسك بها بعده, ويكون فيها كفاية لمن تمسك بها, وسعادة له في الدنيا والآخرة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أوصيكم بتقوى الله, والسمع والطاعة" هاتان كلمتان جامعتان للشرف والسيادة, والفوز والسعادة, وبهما تنال الدرجة العالية الطولة في الآخرة والأولى (١) .
أما التقوى فهي أشرف الخصال وأسناها, وأجلها قدرا وأسماها, بل كل مكرمة ناشئة عنها, وكل منقبة فاشية منها, وناهيك بها من خصلة خصها الله تعالى بالوصية, وعم الإيصاء بها الأولين والآخرين من البرية, فقال: {وَلقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا} (النساء: من الآية ١٣١) .
واصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقية من ذلك, وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه.
وتارة تضاف التقوى إلى اسم الله تعالى كقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِليْهِ تُحْشَرُونَ} (المجادلة: من الآية ٩) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (الحشر:١٨) , فإذا أضيفت التقوى إليه سبحانه, فالمعنى: اتقوا سخطه وغضبه, وهو أعظم ما يتقي, وعن ذلك ينشأ عقابه الدنيوي والأخروي. قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} (آل عمران: من الآية ٢٨) وقال تعالى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (المدثر: من الآية ٥٦) فهو جل جلاله أهل أن يخشى ويهاب ويجل ويعظم في صدور عباده, حتى يعبدوه ويطيعوه, لما يستحقه من الإجلال والإكرام
(١) انظر: جامع العلوم والحكم (٢/١١٦) .