للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لكونها معلومة شهيرة.

وقوله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَليْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} (آل عمران: من الآية ١٠٣) ذكرهم جل جلاله نعمته وأجزل منة؛ لأنها الهداية والتوفيق للإسلام, الذين هو السبب في دخول الجنة, وأعقب النهي عن الفرقة عن الحق كما وقع لأهل الكتاب, وكما جرى بينهم في الجاهلية من المحاربة والاستلاب بتذكيرهم نعمته العظيمة؛ ليكون أنفع لقبول الذكرى, وأقمع عن تعاطي عادتهم القديمة, وأردع في الكف وأحرى.

وهذه الآية نزلت في الأوس والخزرج؛ فإنه كانت بينهم في الجاهلية حروب كثيرة وعداوة شديدة وضغائن وأحوال, طال بينهم بسببها الوقائع والقتال, فلما جاء الإسلام, ودخل فيه من دخل منهم اضمحل ذلك كله وزال, وصاروا متواصلين متحابين في الله إخوانا, وعلى أعدائهم من الكفار أعوانا كما وصفهم الله تعالى بذلك في كتابه, وأفصح به في جليل خطابه, فقال: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ} (لأنفال: من الآية ٦٣) (١) وقوله: {وَكُنْتُمْ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} (آل عمران: من الآية ١٠٣) أي: مشفقين على الوقوع في السعير, لما لهم فيه من الذنب الكبير, إذ لو ماتوا وهو كفار لكان مأواهم النار وبئس المصير.

وقوله: {فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} أي: بسبب الهداية للإسلام والإيمان, ذكرهم جل جلاله ذلك في سياق الامتنان, فأخبرهم أنه قد أزال ما بينهم من التقاطع والعداوة والأضغان, {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} , فصاروا يدا واحدة


(١) انظر: تفسير ابن كثير (٢/٧٤) .

<<  <   >  >>