فلم يزل رحمه الله تعالى يدعو إلى منهاج الهدى, ويجادل بالتي هي أحسن أهل الردى ويتلو عليهم {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً}(الجن:١٨){فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}(الجاثية: من الآية ٦)(فأبى)(١) قومه عن ذلك وصدوا, وعارضوه بالباطل وردوا, واجتهدوا في عداوته والبطش به وجدوا, وقالوا {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}(الزخرف: من الآية ٢٢) فحاق بهم ما كانوا به يمكرون {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}(الزخرف:٧٩) بل أخرجوه من الديار, وحكموا بأنه من الخوارج والكفار, ولم يكن لهم بالذكر الحكيم اعتبار {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ}(يّس:٩) فخسر الخسران المبين من أعرض عن التوحيد والدين, وباء باعذاب المهين {وَمَنْ أَظْلمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}(السجدة:٢٢) فأووه وعزَّروه وكانوا له أنصاراً, من سبقت لهم السعادة والشرف والفخار, وكتب لهم التمكين والظهور على الأعداء والانتصار, والاستخلاف والاستيلاء على ممالك الملوك الذين يحاربون {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَليْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلبُونَ}(لأنفال: من الآية ٣٦) .
وذلك أنه لما أخرج من البلاد ليقضي الله أمره الذي لا دافع له ولا راد, وينيل من ساعده الإسعاد, ويبدلهم السعة والنعمة بعد الضيق