وأما المسائل التي ذكرت فاعلم أولا أن الحق إذا لاح واتضح لم يضره كثرة المخالف ولا قلة الموافق وقد عرفت غربة التوحيد الذي هو أوضح من الصلاة والصوم ولم يضره ذلك فإذا فهمت قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} وتحققت أن هذا حتم على المؤمنين كلهم فاعلم أن مسألة الأوقاف النزاع فيها معروف في كتب المختصرات وفي شرح الإقناع في أول الوقف أنهم اتفقوا على صحة الوقف في المساجد والقناطر يعني بقعها لا الوقف عليهما واختلفوا فيما سوى ذلك.
إذا تبين ذلك فأنت تعلم أن الرسول صلى الله قال:"من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" وفي لفظ "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" وتقطع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهذا ولو أمر به لكان الصحابة أسبق الناس إليه وأحرصهم عليه وتقطع أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسد الزرائع وهو من اعظم الأشياء ذريعة إلى تغيير حدود الله.
هذا على تقدير أن العالم المنسوب إليه هذا يصحح مثل أوقافنا وأنى ذلك وحاشا وكلا بل إنهم يبطلون الوقف الذي يقصد به وجه الله على أمر مباح ويقولون لا بد منه على أمر قربة وأما كونه جعل ماله بعد الورثة على بر فهذا لا يكون إلا بعد انقراضهم وعادتنا نفتي ببطلان مثل هذا ولا نلتفت إلى هذا المصرف الثاني. وذكر بطلان مثل هذا في الشرح الكبير وغيره.
"المسألة الثانية" وهي وقف المرأة على ولدها وليس لها زوج إلى آخره فكذلك تعرف أن الوقف على الورثة ليس من دين الرسول صلى الله عليه وسلم ولو شرعه لكان أصحابه أسرع الناس إليه سواء شرط على قسم الله أم لا وهذا في الحقيقة يريد أمرين "الأول" تحريم ما أحل الله لهم من بيعه وهديته والتصرف فيه "والثاني" حرمان زوجات الذكور وأزواج الإناث فيشابه مشابهة جيدة ما ذكر الله عن المشركين في سورة الأنعام ولكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر به كاف في فساده صلحت نية صاحبه أم فسدت.