باقية في عقبه وهي: لا إله إلا الله بإجماع أهل الحق فعبر عنها بالبراءة من معبوداتهم التي كانوا يعبدونها في الخارج فقوله: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُون} َ وهو معنى النفي في قوله: {لاَ إِلَهَ} وقوله: إلا الذي فطرني هو معنى إلا الله وهذا كاف في البيان لمثلك الذي عرف معنى {لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} وهذا المعنى في هذه الكلمة يعرفه حتى المشركون كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ*وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} عرفوا أن لا إله إلا الله تدل على ترك عبادة آلهتهم التي كانوا يعبدونها من أوثانهم وأصنامهم وكل الفرق يعرفون معناها حتى أعداء الرسل كما قالت عاد {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} فعرفوا على شدة كفرهم أنه أراد منهم ترك عبادة ما كان يعبده آباؤهم.
فتبين بهذا أن لا إله إلا الله نفت كل ما كان يعبد من دون الله من صنم ومن وثن من حين حدث الشرك في قوم نوح إلى أن تقوم الساعة وهذا المعنى أكثر أهل العلم يسلمونه ويعرفونه حتى الخوارج والرافضة والمعتزلة والمتكلمون من كل أشعري وكرامي وما تريدي وإنما اختلفوا في العمل بلا إله إلا الله فبعضهم يظن أن هذا في حق أناس كانوا فبانوا فخفي عليهم حقيقة الشرك وأما الفلاسفة وأهل الإتحاد فإنهم لا يقولون بهذا المعنى ولا يسلمونه بل يقولون أن المنفي بلا إله إلا الله كلي لا يوجد منه في الخارج الافرد وهو الله فهو المنفي وهو المثبت بناء على مذهبهم الذي صاروا به أشد الناس كفرا وهو قولهم: أن الله وحدة الوجود المطلق فلم يخرجوا من ذلك صنما ولا وثنا ويشبه قولهم: هذا أهل وحدة الوجود القائلين بأن الله تعالى هو الموجود بعينه فيقولون أن المنفي كلي والمثبت بقوله: إلا هو الوجود بعينه ولا فرق عند الطائفتين بين الخالق والمخلوق ولا بين العابد والمعبود كل شيء عندهم هو الله حتى الأصنام والأوثان وهو حقيقة قول هذا الرجل سواء فخذ قولي وأقبله وفقك الله فلقد عرفت بحمد الله ما أرادوه من قولهم: أن المنفي كلي لا يوجد منه في لخارج إلا فرد ويدعى هذا مثل ما ادعته هذه الطائفة أن تقدير خبر لا وجود وهذه