للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

اعلم أن العذر بالجهل من المسائل الخطيرة، التي كثر حولها القيل والقال، وتنازع فيها الناس في الآونة الأخيرة ما بين مفْرِط ومفَرِّط، وبين غال ومقصر. وهذا الخلاف ليس نظريا فحسب، بل هو مما يترتب عليه آثار وخيمة، وتفرق عملي في تشخيص أمراض المجتمعات والدول وفي اقتراح الحلول الناجعة، وأمثل الطرق للتغيير والعلاج.

والحق، أن قسطا وافرا من الخلاف راجع إلى غياب أو قصور في عملية التأصيل الشرعي (١) ، وهذا عيب عند كثير من المنتسبين إلى العمل الإسلامي، كما لا يخفى على المتأمل.

وسوف أكتفي في هذه الورقات بالكلام على هذا الموضوع، من أهم جوانبه وأخطرها، دون التطرق إلى التفاصيل، ولا الإكثار من النقول والاستدلالات، لئلا أخرج عن المقصود.

دليل اعتبار العذر بالجهل:

دلت على كون الجهل مانعا من موانع التكفير- بل من لحوق الوعيد بالمعين عموما- أدلة كثيرة من النصوص وقواعد الشرع، وسوف أجتزئ هنا بذكر أشهرها وأظهرها:

حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن رجلا لم يعمل خيرا قط فقال لأهله إذا مات فأحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فلما مات الرجل، فعلوا به كما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا هوقائم بين يديه، ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر الله له" (٢) .


(١) - يستثنى من ذلك بعض الكتابات العلمية الرصينة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، وأحسنها – فيما أعلم – ما جاء في الجزء الأول من كتاب " الجامع في طلب العلم الشريف " للشيخ عبد القادر بن عبد العزيز، فليراجع.
(٢) - رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء برقم: ٣٤٨١ (ص٦٧٠) ، ومسلم في التوبة برقم: ٢٧٥٦ (ص١١٠٢) .

<<  <   >  >>