ومن أمثلة هذه التأويلات ما ينقله أبو حامد الغزالي في " فيصل التفرقة"، إذ يقول:" ولابد من التنبيه على قاعدة وهو أن المخالف قد يخالف نصا متواترا، ويزعم أنه مؤول، مثاله: ما في كلام بعض الباطنية أن الله تعالى واحد بمعنى أنه يعطي الوحدة ويخلقها، وعالم بمعنى أنه يعطي العلم لغيره ويخلقه، وموجود بمعنى أنه يوجد غيره، وأما أن يكون واحدا في نفسه، وموجودا وعالما على معنى اتصافه فلا، وهذا كفر صراح، لأن حمل الوحدة على اعطاء الوحدة ليس من التأويل في شيء، ولا تحتمله لغة العرب أصلا ... فأمثلة هذه المقالات تكذيبات عبر عنها بالتأويلات"(١) .
وبالجملة، فإن تأويلات الباطنية وأضرابهم، مما يطول تتبعه، وفيما ذكرت آنفا غنية وكفاية. والله أعلم.
???
قلت في النظم:
أو عن بلاد شرعنا قد بعدا
وإن أتى الدواهي العظاما
إذ كل قادر ملوم، فافهم
ومن يكن حديث عهد بالهدى
يعذرْ بجهله فلا ملاما
وشرطه عجز عن التعلم
الشرح:
(ومن) اسم شرط جازم، يجزم فعلين (يكن) فعل الشرط مجزوم (حديث عهد بالهدى) أي بالإسلام أي لم يسلم إلا من مدة قريبة (أو) يكن (عن بلاد شرعنا) معاشر المسلمين (قد بعدا) أي: كان يعيش في منطقة بعيدة عن البلاد التي تستفيض فيها المعرفة بشعائر الإسلام (يعذر) جواب الشرط مجزوم (بجهله فلا ملاما) ولا حساب ولا مؤاخذة، وألف "ملاما" لإطلاق القافية. (وإن أتى) أي: قال أو فعل (الدواهي) جمع داهية، وهي الطامة والمصيبة (العظاما) نعت للدواهي. (وشرطه) أي: شرط العذر بالجهل هو (عجز عن التعلم) أي: عدم القدرة على دفع الجهل عن نفسه، ثم ذكرت العلة بقولي:(إذ كل قادر ملوم) ومحاسب، لأن القدرة مناط التكليف، (فافهم) تكملة للبيت.
المانع الثالث: الجهل.
(١) - فيصل التفرقة: ١٤٧ كما في " نواقض الإيمان القولية والعملية": ٧٩.