للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وفي تقرير هذه القاعدة ودليلها يقول ابن تيمية رحمه الله: " ... أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر، كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر، وأمثال ذلك، فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم، فإن أصروا كفروا حينئد، ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك كما لم يحكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون وأصحابه لما غلطوا فيما غلطوا فيه من التأويل" (١) .

ويقول في موضع آخر، يجمع فيه جل موانع التكفير:" والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيبا لما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بلإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها، وإن كان مخطئا" (٢) .

ولكن هذا التأويل لا يكون مانعا من التكفير إلا إن كان سائغا ومقبولا في الجملة، وذلك بأن تجيزه قواعد اللسان العربي، وبأن يكون له وجه معتبر في قواعد الشرع. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال العلماء: كل متأول معذور بتأويله ليس بآثم، إذا كان تأويله سائغا في لسان العرب، وكان له وجه في العلم" (٣) .

فإن عدم أحد هذين الشرطين، لم يمنع التأويل تنزيل حكم الكفر. لذلك أجمع أهل العلم على تكفير الباطنية ومن نحا نحوهم من الروافض وغلاة الصوفية والقرامطة، وأهل الإلحاد والزندقة وأصحاب المقالات الإبليسية، مع أنه لا تخلو طائفة من هذه الطوائف من تأويلات للنصوص الشرعية، ولكنها تأويلات باطلة غير مقبولة.


(١) - مجموع الفتاوى: ٧/٦١٠.
(٢) - مجموع الفتاوى: ٣/٢٣١.
(٣) - فتح الباري: ١٢/٣٧٦.

<<  <   >  >>