للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

اعلم أن التكليف عموما منوط بالقدرة كما هو مقرر في علم أصول الفقه. وعليه فإن العاجز عن دفع الجهل عن نفسه عن طريق التعلم، معذور بجهله، بخلاف المتمكن من التعلم، فإن جهله لا يمنع من تكفيره، إذ هو علامة على صده عن دين الله تعالى، وإعراضه عن الحق والهدى.

يقول العلامة القرافي المالكي رحمه الله: " القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف دفعه، لا يكون حجة للجاهل، فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله، وأوجب عليهم كافة أن يعلموها، ثم يعملوا بها، فالعلم والعمل بها واجبان، فمن ترك التعلم والعمل، وبقي جاهلا فقد عصى معصيتين لتركه واجبين" (١) .

ويقول ابن حزم رحمه الله مبينا وجوب السعي في طلب الواجب العيني من العلم الشرعي: " وأما من بلغه ذكر النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به، ثم لم يجد في بلاده من يخبره عنه ففرض عليه الخروج عنها إلى بلاد يستبرىء فيها الحقائق ولولا إخباره عليه السلام أنه لا نبي بعده، للزمنا ذلك في كل من نسمع عنه أنه ادعى النبوة" (٢) .

ويقول شيخ الإسلام رحمه الله مقيدا العذر بالجهل بالشرط الذي ذكرت آنفا:" ... إن هذا العذر لا يكون عذرا إلا مع العجز عن إزالته، وإلا فمتى أمكن الإنسان معرفة الحق فقصر فيها لم يكن معذورا" (٣) .

ويقول العلامة الأصولي المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:" ... وأما القادر على التعلم المفرِّطُ فيه، والمقدم آراء الرجال على ما علم من الوحي، فهذا الذي ليس بمعذور" (٤) .

وبالجملة، فإن هذا القيد مما لا ينبغي أن يقع حوله أدنى خلاف، لكثرة القواعد والأدلة التي تشهد له.

قلت في النظم:

وحجة الله على العباد

رسالة التوحيد والرشاد

أتى بها الرسْل دعاة الحق

أهل الكمال والتقى والصدق

فلا تقوم حجة الخلَّاق

بفطرة أو عقلِ اَو ميثاق

والجهل في مسائل التوحيد

معتبر في المذهب الرشيد


(١) - الفروق: ٤/٢٦٤.
(٢) - الإحكام: ٥/١١٠.
(٣) - مجموع الفتاوى: ٢٠/٢٨٠.
(٤) - أضواء البيان: ٧/٣٥٧.

<<  <   >  >>