فتبين إذن أن الفطرة والميثاق ليست حجة مستقلة، وأنه لابد من الحجة الرسالية التي جاء بها الرسل مذكرين بتلك الفطرة وذلك الميثاق، كما في قوله تعالى:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} . قال حافظ حكمي رحمه الله:
وبعد هذا رسله قد أرسلا ... ... ... لهم وبالحق الكتاب أنزلا
لكي بذا العهد يذكروهم ... ... ... وينذروهم ويبشروهم
قال ابن تيمية رحمه الله:" ولهذا كانت الرسل إنما تأتي بتذكير الفطرة ما هو معلوم لها، وتقويته وإمداده ونفي المغيِّر للفطرة، فالرسل بعثوا بتقرير الفطرة وتكميلها، لابتغيير الفطرة وتحويلها"(١) .
فتقرير الفطرة هو التذكير بها، وتكميلها هو تفصيل الشرائع وحقوق الله على عباده.
المسألة الخامسة: هل يعتبر العذر بالجهل في أصل التوحيد؟
قدمت في الفقرات السابقة أدلة عديدة على اعتبار الجهل مانعا من موانع التكفير. وهي أدلة واضحة في العذر بالجهل ولو في أصل التوحيد، وذلك مثل حديث ذات أنواط، فقد طلب فيه هؤلاء الصحابة حدثاء العهد بالكفر، أمرا هو ناقض لأصل التوحيد وداخل في باب الشرك الأكبر، ولم يكفرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأجل جهلهم. ومثله حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الرياح، شكا في قدرة الله جل ذكره على بعثه وإحيائه، وهذا كفر بين وناقض لأصل التوحيد وفيه إنكار للبعث بعد الموت ولعموم قدرة الله عز وجل التي هي إحدى أبرز وأجلى صفات الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك فإن الله تعالى عذره بجهله ودل حديث حذيفة على أن الذين يتركون الصلاة والصيام والصدق في زمان اندراس العلم وذهاب أهله، يعذرون بجهلهم، وينجون من النار بمجرد كلمة لاإله إلا الله، مع أن ترك الصلاة والصيام والصدقة كفر مخرج من الملة كما سبق في مسألة ترك جنس العمل في الفصل الأول من هذا الكتاب.