للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأما الأمر الذي وقع عليه الإكراه فلأن الردة تختلف عن المحرَّم المجمع على تحريمه مما هو دون الشرك، وهذا بدوره يختلف عن المحرم المختلف في حرمته, وهكذا. فوجب أن يختلف حد الإكراه في هذه الأمور كذلك. قال شيخ الإسلام رحمه الله:" تأملت المذهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكرَه عليه. فليس المعتبر في كلمات الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها. فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب أو قيد. ولايكون الكلام إكراها، وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها أو مسكنها فلها أن ترجع على أنها لاتهب له إلا إذا خافت أن يطلقها أو يسيء عشرتها. فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة إكراها. (...) ومثل هذا لايكون إكراها على الكفر، فإن الأسير إذا خشي الكفار أن لا يزوجوه أو أن يحولوا بينه وبين امرأته لم يبح له التكلم بكلمة الكفر" (١) .

هذا ومما ينبغي الإشارة إليه، أن الأخذ بالعزيمة والصبر على التعذيب أو القتل أولى من الترخص وإجابة داعية الإكراه، ويدل على هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" (٢) . ويدل عليه أيضا صبر كثير من الصحابة والدعاة والعلماء على مر تاريخ هذا الأمة، وعدم قبولهم بالرخصة، ومازال الناس يثنون عليهم وعلى صبرهم وجهادهم.

ولولا فضل الله عز وجل على هذه الأمة بأن قيض لها أمثال هؤلاء المجاهدين الصابرين المحتسبين، لما استطاع الحق أن يستمر لمدة قرون طويلة غضا طريا، يشق طريقه في عباب الباطل، وبين أمواج الضلال.

فهل آن للمسلمين أن يسترجعوا هذا الفهم السلفي الراقي لدين الإسلام، وأن يسستخلصوا ما تبقى لديهم من عز ونخوة من مستنقع التخاذل وحمأة الترخص؟

قلت في النظم:


(١) - الفتاوى الكبرى: ٥/٤٩٠.
(٢) - رواه الحاكم من حديث جابر وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ورواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد.

<<  <   >  >>