للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأما الثاني فهو أن يقصد الإنسان الكفرَ بفعله الذي تعمده، فهذا القصد ليس شرطا لتكفير صاحبه، ولايمنع انتفاؤه أو ادعاء انتفائه من المؤاخذة بالفعل المكفر. إذ لو اشترطنا وجود هذا القصد في إلحاق حكم الكفر، لم يعجز أحد من الواقعين في الأقوال والأفعال الشركية أن يعتذر بعدم قصده الكفر بفعله، ولكان ذلك سببا في إغلاق باب التكفير مطلقا. والحق أن كثير من الكفار يعتقدون أنهم على حق فيما يقولونه ويفعلونه، وأنهم لايقصدون الوقوع في الكفر أو الشرك، كما في قوله تعالى {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} . قال ابن جرير الطبري رحمه الله:" وهذا من أدل الدلائل على خطإ قول من زعم أنه لايكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته، وذلك أن الله تعالى ذكرُه أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم، ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لايكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه مثابين مأجورين عليه، ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة وأن أعمالهم حابطة" (١) .


(١) - تفسير الطبري: ٨/٢٩٥.

<<  <   >  >>