للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن أدلة هذا التفريق قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} . قال شيخ الإسلام رحمه الله:" ... فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرَّم الذي عرفوا أنه محرم، ولكن لم يظنوه كفرا، وكان كفرا كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه" (١) .

وقال أيضا في بيان التفريق بين هذين النوعين من القصد:" ... وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفر كَفرَ بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لايقصد الكفرَ أحد إلا ما شاء الله" (٢) .

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح حديث المارقة (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) :" وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام" (٣) .

الفصل الثالث: قواعد إجمالية في التكفير:

قلت في النظم:

تنزيل حكم الكفر في الأعيان

أمر عظيم الشأن في الميزان

فاحذر وبالغ في احتياط وحذر

فمن يكفر مسلما فقد كفر

الشرح:

(تنزيل حكم الكفر في) أي على (الأعيان أمر عظيم الشأن) والمنزلة (في الميزان) عند الله عز وجل، إلى جانب ما يترتب عليه من آثار ونتائج في الدنيا. (فاحذر) يا أخا السنة (وبالغ في احتياط وحذر) عند حكمك بالكفر على المعينين المنتسبين إلى القبلة (فـ) إنه (من يكفرْ مسلما) ثبت إسلامه بيقين ولم ينقضه بكفر صريح (فقد كفر) إلا أن يكون صاحب تأول أو اجتهاد سائغين في الجملة.


(١) - مجموع الفتاوى: ٧/٢٧٣.
(٢) - الصارم المسلول: ١٧٧-١٧٨.
(٣) - فتح الباري: ١٢/٣٧٣.

<<  <   >  >>