للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإن أشنع ما يمكن أن يوصم به الإنسان المسلم، هو اتهامه بالكفر والزندقة، وإخراجه من ملة الإسلام، وقطع أواصر الموالاة بينه وبين بقية المسلمين، وما يترتب على ذلك من أحكام شرعية خطيرة في التوارث والتناكح والدفن والشهادات وعصمة الدم والمال وغير ذلك.

ولاشك أن مثل هذا الاتهام إن لم يكن ناشئا عن اجتهاد معتبر أو تأويل سائغ - زلة قدم عظيمة، لايستهين بها إلا من انعدم من قلبه خشية الله عز وجل، وافتقد أسباب التقوى والورع. وقد جاء في الحديث الصحيح:" أيُّما رجل قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما" (١) .

قال الغزالي في "فيصل التفرقة": " ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا، فإن استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف ككافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد" (٢) .

وهذا الذي قاله صحيح في الجملة، إلا في حالات خاصة يكون فيها عدم تكفير الكافر سببا في حدوث فتنة عظيمة تعم البلاد والعباد، كما هو مشاهد ومشهور في هذا العصر، فعند ذلك قد ينقلب التفضيل المذكور في كلام الغزالي، مع أن سفك دم المسلم هو- في جميع الحالات- أمر شديد الخطورة والشناعة.


(١) - رواه البخاري في الأدب-باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، برقم: ٦١٠٤ (ص١١٧٨) ، ومسلم في الإيمان برقم: ٦٠ (ص٥٦) .
(٢) - نقله في الفتح: ١٢/٣٧٢.

<<  <   >  >>